من الحوادث المدهشة المؤلمة معا ما كشفته التحريات الأخيرة من ضياع عشرات آلاف من التحف الفنية النفيسة من المتحف المصري، ما بين تماثيل وصور وحلي فرعونية وغيرها، وقد اكتشفت هذه الفضيحة المؤسية على أثر حادث التمثال الفرعوني الذي اختفى من المتحف وظهر أخيراً في متحف بافالو بأمريكا، ثم رده المتحف الأمريكي بعد أن وقف على الحقيقة، وكان تصرفه مثلا للأمانة العلمية المؤثرة، وقد كنا نعتقد أن خسارة مصر الفنية تقف عند مجموعات التحف الفرعونية النفيسة التي تحتفظ بها متاحف العواصم الأوربية والأمريكية والتي تسربت من مصر خلال الخمسين عاماً الأخيرة ومعظمها بطرق غير مشروعة، على يد البعثات الأجنبية التي تستتر بصفاتها العلمية والأثرية؛ ولكن ظهر مع شديد الأسف أن البقية الباقية التي استطعنا أن نحتفظ بها من عبث أولئك العابثين، وأن نودعها في متحفنا القومي، لم تسلم أيضاً من الاختلاس والاعتداء، بل ظهر أن هذا الاختلاس يصل اليوم إلى آلاف مؤلفة من التحف التي أدمجت وقيدت في سجلات المتحف ولا وجود لها اليوم؛ ونحن لا نعتقد أن هذا الاختلاس المؤلم قد وقع في يوم أو في شهر أو أشهر بل وقع بالتوالي خلال أعوام طويلة ولم تفطن إليه السلطات ذات الشأن. ذلك أن تراثنا الفني كان مع الأسف خلال العصر الأخير تحت الإشراف الأجنبي، ومنذ أكثر من خمسين عاماً يتولى بعض العلماء الأجانب، وهم جميعاً فرنسيون إدارة المتحف المصري؛ وما حدث من تسرب تحفنا ونفائسنا الفنية وقع في عهد هذه الإدارة الأجنبية؛ وكان صوت المصري وصوت السلطات المصرية خافتاً في الماضي، فلم يرتفع كما يرتفع اليوم بالاحتجاج على هذه الفضائح المزرية؛ وكان إذا أتيح له الاحتجاج يقنع بالترضية اللفظية. أما اليوم فإن مصر لا تستطيع صبراً على هذا الاعتداء الشائن على تراثها الفني، ولابد من أن تقوم السلطات المصرية بكل ما تستطيع لتعقب الآثار الضائعة، ولابد لها قبل كل شيء أن تعتبر بهذا الدرس، وأن تعمل على رفع الإشراف الأجنبي نهائياً عن المتحف المصري، كما وقفت من قبل إلى رفعه عن دار الكتب المصرية بعد عهد طويل من الإشراف الأجنبي تسربت في ظله معظم التحف الخطية من القطر المصري إلى ألمانيا التي كان يستأثر