لسنا ننكر ما أفادته مصر في العصر الأخير من معاونة العلماء
الأجانب، ولكن التعاون العلمي الصحيح يجب أن ينزه عن أن يتخذ
أداة للاستيلاء على تراثنا الفني والعلمي بوسائل ظهر في أحيان كثيرة
أنها لا تتفق مع مبادئ الأخلاق الرفيعة، ولا تتفق بالأخص مع الثقة
الكريمة التي كانت مصر تمنحها فيما مضى للعلماء الأجانب
مستقبل المهن العقلية
تساءل كاتب في إحدى الصحف الفرنسية الكبرى عن مستقبل المهن العقلية وأبدى تخوفه من أن يصير التفكير والمهن العقلية إلى مصير سيئ؛ وإذ كان التفكير قوام الحضارات الرفيعة فإنه يخشى أن تصاب الحضارة البشرية في ركن من أعظم أركانها إذا لم تفطن الأمم المختلفة إلى ما أصاب التفكير والمهن العقلية من ضروب الركود والغبن؛ ويقول هذا الباحث إن الفنون والمهن العقلية قد تضاءلت آفاقها وميادينها في العصر الأخير وانحط معيارها المادي إلى أدنى الحدود، هذا في حين أن الحرف اليدوية والمادية قد ازدهرت وارتفع معيارها المادي؛ وقد كان الفرق منذ ثلاثين سنة شاسعاً بين المهن العقلية؛ والحرف اليدوية من حيث التقدير المادي؛ أما اليوم فقد تضاءل هذا الفرق بل ربما تفوقت الحرف اليدوية في بعض الأحيان على المهن العقلية؛ ولنضرب لذلك مثلا، ففي إدارة شركة من الشركات أو تحرير صحيفة من الصحف ترى الموظفين الذين يتولون أعمالاً ومهناً عقلية كالتحرير والإدارة، يتقاضون أجوراً لا تكاد تزيد على الأجور التي يتناولها بعض رؤساء العمل مثلا، وأحياناً يتفوق هؤلاء في أجورهم على المحررين ويتناول العامل الفني مثلا في مصنع من المصانع أجراً يفوق ما يتناوله الطبيب أو المحامي العادي من مهنته؛ هذا مع أن الحالة قبل الحرب الكبرى كانت تختلف عن هذه الحالة كل الاختلاف ويرجع ذلك إلى تنظيم الحركة الصناعية والعملية منذ الحرب الكبرى، وتنظيم النقابات والاعتصابات لرفع الأجور والمنح، وتحسين أحوال العمال بوجه عام. أما أصحاب المهن العقلية فلم يفكروا ولم تسمح لهم ظروفهم بخوض مثل هذا الكفاح. بيد أن من الخطر على الحضارة