هذه أولى كلمات اعتزمت بمعونة الله وتوفيقه موافاة مجلة الرسالة الغراء بها إن تفضلت وفسحت لها مكانا متواضعا بينها رأيت في نشرها خيراً لطلبة الأخلاق في الأزهر وفي غير الأزهر لأنها تتناول بحوثاً لا يستغني عنها دارس الأخلاق
دعاني إلى التفكير في نشرها، بعد أن تعبت كثيراً في تحقيقها، الرغبة الخالصة في المساهمة في إقامة الأخلاق ودراستها على دعائم علمية صحيحة ثابتة، وما أعلمه من أن أحداً لم يتوفر على بحثها مع مسيس الحاجة إليها. وهل يليق بدارس الأخلاق أن يذكر مثلاً (أنها علم من العلوم) دون أن يكلف نفسه عناء البحث في صحة هذا الإطلاق أو عدم صحته؟ ثم أليس من الضروريان يتعرف الباحث بعد ذلك المعين الذي ترجع إليه الأخلاق، والطريق القويم إلى تحديد القانون الأخلاقي؟
هذه المسائل التي تحتاج إلى صبر وطول أناة في بحثها، ونحوها من موضوعات الفلسفة الأخلاقية وما يتصل بها، هي بعض ما عنيت وأعني بدراسته، وما أرجو أن أوفق فيه إلى الصواب غن شاء الله تعالى
الأخلاق والعلم
العلم اليقين، أو المعرفة العامة المضبوطة الصادرة عن نظر وتمحيص. أو المعرفة العامة التي تتجه في جهودها نحو العموم للوصول إلى الحقيقة، هذه التعاريف كلها بمعنى تقريباً. فهل الأخلاق وهي تبحث في الخير والشر والحق والواجب وتعنى بتحديد القانون الأخلاقي وتعرف المثل الأعلى وما شابه ذلك من المعاني الكلية والبحوث النظرية - هل الأخلاق، وهذا أهم مباحثها، يصح أن توصف بأنها علم من العلوم؟ وبعبارة أخرى هل وصلت أو تصل الأخلاق إلى آراء وأحكام تبلغ من العموم وقبول الناس لها حداً يجيز لنا وصفها بأنها حقائق علمية، فيكون هذا الفرع من الدراسات الفلسفية علماً من العلوم التي تقرر حقائق وقوانين عامة؟ هل هي دراسة علمية، أي عمل من أعمال العقل، أو دراسة مرجعها التقاليد