[النجم الذي هوى]
للدكتور زكي مبارك
ما كنت أحسب أن الأيام تدّخر لي هذا النصيب الضخم من الحسرة والحزن والالتياع
ما كنت أظن أن في أخبار الدنيا ما يهددني بالموت وأنا سائر في الطريق
ما كنت أتوهم أن صدري يملك هذه الذخيرة من الحرص على حياة الأصدقاء
رجعت إلى بيتي عصر الخميس ولم أخرج منه إلا صباح السبت طلباً للتفرغ لبعض الأعمال
فماذا رأيت حين خرجت؟
رأيت أن يوما واحداً هو يوم الجمعة كان كافياً لأن تذهب دولة من المروءة والشرف والأريحية من عالم الفناء إلى عالم البقاء
إي والله، يوم واحد كان كافياً لأن يموت فيه رجل ويدفن وينقضي مأتمه وينفضّ من حول بيته الجازعون بحيث لم تبق فرصة لمن يريد أن يقدم إلى أهله كلمات العزاء
إي والله، في يوم واحد ذهب الأستاذ محمد الهراوي إلى غير معاد. . .
فيا أخي ويا صديقي ويا كل ما كنت أملك من الصدق الصادق الصحيح، كيف تطيب الدنيا بعدك وفيها ما أعرف وما كنت تعرف من ندرة الأصدقاء الأوفياء؟
كيف تطيب الدنيا بعدك، يا محمد، وكانت حياتك العزاء، عما في الدنيا من بلايا وأرزاء؟
كيف تطيب الدنيا بعدك، وما تخلَّق الناس بالصدق إلا ليزاحموك، ولا عرفوا الوفاء إلا لينافسوك؟
يا محمد، وما أجمل اسمك!
لك أن تعرف في عالم الأرواح أن إخوانك وأصفياءك سيذكرون أيامك كما يذكرون بشائر الأحلام وبواكير الأماني
لك أن تعرف، يا محمد، أن إخوانك وأصفياءك يؤمنون بأن فجيعتهم فيك هي فجيعة الرياض بموت البلبل الصداح، وفجيعة القلوب بذهاب الأمان، وفجيعة الجسد بفراق الروح
أين من يعزيني فيك يا أخي ويا صديقي؟
أين من يعزيني فيك وأنا أشعر بأن الموت حين خطفك لم يوجّه الطعنة إلى صدر غير