للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لا نخدع أنفسنا حتى يخدعونا]

للأستاذ عباس محمود العقاد

لم نخدع أنفسنا حتى خدعنا الأوربيون عنها فانخدعنا!

ثم صدقنا أننا أهل عاطفة ولسنا أهل عقل، وأننا أهل خيال ولسنا أهل حس، وأننا أهل روح ولسنا أهل مادة، وأننا لذلك مخفقون

وأنا مع الذين يقولون: إننا لسنا أهل عقل ولا أهل حس ولا أهل مادة، ولكني لست ممن يقولون: إن هذه (الليسية) توجب لنا نقيضها وتعطينا ما يقابلها، فنصبح أغنياء في الروح لمجرد أننا فقراء في المادة، ونصبح نفَّاذين في الخيال لمجرد أننا محجوبون عن الحس، ونصبح و (العاطفة) فياضة من نفوسنا لمجرد أننا مستريحون من العقل أو واقفون منه عند ينبوع جديب

فجائز جداً أننا لا عاطفيون ولا عقليون، ولا روحيون ولا ماديون، ولا خياليون ولا حسيون؛ وأننا على نصيب نزر من جميع هذه الصفات لا تستلزم القلة في إحداها كثرة في نقيضها، لأن الصفات الإنسانية لا تمشيِ عدلين عدلين متلازمين يعلو أحدهما حيث يهبط الآخر ضربة لازب. بل قد ينعدم العدلان والبعير معهما في كثير من الأحيان. . .!

واليقين عندي أننا منذ زمن طويل فقراء في العاطفة محتاجون إليها أشد من حاجتنا إلى العقل والعلم والحكمة وسائر مشتقاتها.

وكان هذا رأيي يوم ناقشني فيه فقيد العراق الأكبر جميل صدقي الزهاوي المصلح الحكيم، وكان - رحمه الله - يسألني: بماذا عبر لندنبرج المحيط الأطلسي: أبا العقل أم بالعاطفة؟ فأجيبه: (بالعاطفة). . . فإن العاطفة لا العقل هي التي أركبته الطيارة بعد أن فرغ العقل من تركيبها في المصنع وتركها حديدة لا تتحرك ولا تأتي بالفلق إلا أن تقدم بها عاطفة مجازفة لا تبالي العقل ولا تحفل السلامة

والذي كان يسمعه رحمه الله يقسم حسبة الطيارة إلى كومين: كوم العاطفة وكوم العقل، يخيل إليه أننا نحن الشرقيين قد ظفرنا منها بكل ما فيها من عاطفة وهمة وطموح ومغامرة واستطلاع، ولم يبق منها للغربيين غير حفنة من مسامير ومطارق وأرقام، هي التي يرتع فيها العقل ما يشاء!

<<  <  ج:
ص:  >  >>