للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والآفة كلها من أوربا نفسها

فقبل اتصال أوربا بالشرق لم يقل أحد من الشرقيين إن الشرقيين أهل أحلام وخيالات، وإنهم من رجال العاطفة وغيرهم من رجال العقل والواقع

ولكن الأوربيين وصفونا هذه الصفة فاغتررنا بها ومضينا فيها، ولا سند لها على الأرجح أقوى من ألف ليلة وليلة وما جرى مجراها من القصص والنوادر، وهي كما نعلم ليست (بالخيال) في أي سمة من سماته ولكنها (واقع) مع إيقاف التنفيذ كما يقولون في لغة القانون! أوهي أحلام الجائع في سوق الطعام، لا فرق بينها وبين الواقع إلا أن يستطيع الأكل فعلاً، وهو عاجز عن الأكل لأن الأكل غير موجود!

فالخيال المزعوم عند الشرقيين هو (واقع ناقص) لا يحسب له فضل الواقع، ولا يحسب له فضل الخيال

ولو كان خيالاً حقاً لكان ابتكاراً وخلقاً وسعياً إلى عالم جديد ولم يكن واقعاً في كل شيء إلا في أنه غير موجود

فنحن واقعيون مفرطون في الواقعية

وكل الفرق بيننا وبين الأوربيين أن الأوربيين واقعيون يجدون المائدة التي يأكلونها، ولكننا نحن واقعيون نمضغ مائدة من الهواء. . . ومن الخطأ جد الخطأ أن نسمَّي من أجل ذلك خياليين أو حالمين

أخياليون وحالمون لأننا نعيش في عالم ألف ليلة وليلة؟ فما عالم ألف ليلة وليلة إذن؟ عالم قصور وموائد وكنوز وفتيات حسان. . . عالم واقع ملموس تراه العيون وتذوقه الأفواه إلا أنه لا ينال، وليس هذا هو الخيال

بل الخيال هو فكرة يبيع الإنسان في سبيلها متاع الدنيا وكنوز الأرض وبهرج الحياة

أو هو مثل أعلى لا تعرفه شهرزاد، ولا يتبعه صائغ البصرة، ولا تراه في ديوان من دواوين تلك القصص التي هي وسوق الرقيق سيان

وبودنا ألف ود لو يعظم نصيب الشرق من هذا الخيال

وقريب من هذا اعتقادنا أننا نحن المشارقة أهل السماحة والبر لأننا لا نصول ولا نجول، أو لا نصنع اليوم السلاح الذي نصول به ونجول!

<<  <  ج:
ص:  >  >>