وكيف لا يكون للرغيف مشكلة، والمشكلات منذ هبط الإنسان الأرض إنما تتناسل من أب واحد هو الرغيف، ومن أم واحدة هي المرأة؟
سمِّ الرغيف وسيلة حفظ الحياة، وسم المرأة وسيلة حفظ النوع؛ ثم حاول أن تنسب بشيء من التحليل الدقيق جميع ما سجل التاريخ من خصومات ومشكلات وأزمات وثورات إلى هاتين الوسيلتين، أو هاتين الغريزتين، فلن تجد في نسبة البنات إلى أبويهن غموضاً ولا مشقة.
كانت المرأة في بدء الخليقة هي حواء، وكان الرغيف في حياة الجنة هو الشجرة، وكانت الأثرة والطمع والحسد هي إبليس، وكانت الضحية لهؤلاء جميعاً هي سعادة آدم!
ثم مضى الرغيف والمرأة وإبليس يعملون في دنيا الأرض ما يشاء القدر: يصلحون هذا ويفسدون ذاك، ويعمرون هنا ويخربون هناك، ويخلقون التنافس لتنشط عناصر الحياة، ويوجدون الخلاف لتتفق عوامل الموت، وينزعون الملك من يد إلى يد، وينقلون الحكم من دولة إلى دولة، حتى قال ابن أبي الحديد بحق:(لم تسل السيوف إلا لوجه أصبح من وجه، ولقمة أسوغ من لقمة)
ولو كان الملائكة يأكلون الرغيف ويخالطون المرأة لكانوا أناساً كالناس، ولكان الملكوت الأعلى كالملكوت الأدنى، ولكن الله لم يشأ أن يجعل النور كالظلام، ولا أن تكون السماء كالأرض!
على أن الرغيف لاكتنان سر الحياة فيه كان أشد الثلاثة إيقاداً للخصومة!
كان مالك بن أنس يذكر عثمان وعلياً وطلحة والزبير فيقول:(والله ما اقتتلوا إلا على الثريد الأعفر)
وأنت إذا ذكرت في تاريخنا العدنانية والقحطانية، والقيسية واليمانية، والمهاجرين والأنصار، والهاشمية والأموية، والعباسية والعلوية، والعروبة والشعوبية، والتركية والفارسية، والهلالية والصليبية، والإسلامية والقبطية، والسعدية والعدلية، والفُلانية والعِلاَّنية، لما قلت إلا ما قال أنس بن مالك.
كذلك إذا ذكرت في تاريخ الناس الشرقية والغربية، والديمقراطية والدكتاتورية، والرأسمالية والشيوعية، لما وجدت لهذه الأسماء معنى ولا مغزى إلا ما قاله كثير بن شهاب لغلامه وقد