للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دراسات في الأدب]

للدكتور عبد الوهاب عزام

(تابع)

(ج) ومن المؤثرات في الأدب والحرية:

وإنما يترعرع الأدب في ظلال الحرية، فإذا منع البغيُ أمة أو طائفة أن تُبين عن آرائها وعواطفها وتعرب عن آلامها وأمالها، لا يزدهر فيها الأدب

وإذا اشتد الحجر على أمة فانبرى جماعة من أُباتها يجاهدون في حريتها ويجالدون جبابرتها لم يكن لهم بدّ أن يتخذوا الأدب القوي لبث الدعوة وإيقاظ النفوس وتنفيرها من المذلة وحفزها إلى الإقدام ومجادلة الخصم بالحجة البالغة والبرهان الدامغ، فينشأ لهم أدب حيّ قويّ. ولا يزالون في جهادهم حتى يدال لهم فتسع الحريةُ الأمةَ كلّها، وتنشط النفوس للإبانة عن سرائرها والإعراب عن ضمائرها. وأدب المجاهدين في كل عصر من أروع أنواع الأدب لأنه أدب النفس الإنسانية وهي تدفع عن كيانها، وتجادل عن حياتها

فالحرية العامة والجهاد لها من أجدى الأمور على الأدب

وإذا نظرنا إلى الأدب في فرنسا قبل الثورة وأثناءها وبعدها، وإلى الأدب في تركيا قبل مائة سنة والأدب فيها حين الجهاد للحرية كشعر نامق كمال وأمثاله، ثم الأدب في الثلاثين سنة الأخيرة؛ وإذا نظرنا أيضاً إلى الأدب في مصر قبل عشرين سنة وإلى الأدب فيها اليوم عرفنا فرق ما بين الحرية والعبودية، وما يجدي الجهاد للحرية على آداب الأمم

وكم أنتج جدال الأحزاب السياسية من خطب ومقالات لها في الأدب أثر لا ينكر

والحرية الفكرية أوسع من الحرية السياسية فربما تنال الأمة حريتها السياسية ولكن يسيطر عليها أو على فرقة منها مذهب أو عادة قديمة فيمنعها بعض حريتها في التفكير، وانظر إلى المعتزلة والحنابلة في تاريخ المسلمين تدرك كيف أجدت على الأدب حرية الأولين، وجنت عليه عصبية الآخرين، وكذلك التزام موضوع أو أسلوب في الأدب اتباعاً للقدماء يسلب الأمة بعض حريتها الأدبية ويمنعها أن تفتن في موضوعات النظم والنثر وأساليبها

على أن الفوضى في الأدب، وركوب كل إنسان رأسه على غير بينة، وحيد الناشئين عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>