للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[يا مصر!. .]

للأستاذ محمد البشير الإبراهيمي

أصدرت البصائر الغراء لسان حال العلماء المسلمين الجزائريين عددا خاصا بمصر افتتحه الأستاذ الجليل رئيس تحريرها في هذا المقال

نسميك يا مصر بما سماك الله به في كتابه، فكفاك فخرا أنه سماك بهذا الاسم الخالد الذي تبدلت أوضاع الكون ولم يتبدل، وتغيرت ملامح الأرض ولم يتغير؛ وحسبك تيهاً على أقطار الأرض أنه سماك ووصفها، فقال في فلسطين: (الأرض المقدسة) و (القرى التي باركنا فيها) وقال في أرض سبأ: (بلدة طيبة) ولم يسم إلا الطور وهو جبل، ومكة وهي مدينة، ويثرب وهي قربة. فتهيئ وافخري بهذه الملاءة التي كساكيها الله، وخذي منها الفأل على أنك منه بعين عناية لا تنام، وبذمة رعاية لا تحفر، وبجوار أمن لا يخزي جاره. .

نأسى لك - يا مصر - أن أنزلت الأقدر بهذه المنزلة التي جلبت لك البلاء، وجربت عليك الشقاء؛ وأن حبتك هذا الجمال الذي جذب إليك خطاب السوء من الأقوياء الطامحين، القواد الفاتحين؛ وأن أجرى فيك هذا الوادي العذاب الذي كان فتنة الخيال البشري، فلم يقنع، لمائة إلا بأن ينبطه من الجنة، وكان وثن القدماء من وراده فتقربوا إليه بالنذور والقوانين؛ وكان طغوى فرعون ذي الأوتاد، فحرك فيه نزعة الألوهية , فتوهم أن شاطئيه الأخضرين هما نهاية الكون وأنه كفاء لملك الله الطويل العريض؛ وأن وضعك من هذا الكوكب الأرضي في موضع الواسطة من القلادة، فتعلقت بك الأبصار حتى (كأن عليك من حدق نطاقاً)؛ وأن جعلك برزخاً فاصلاً بين الشرق والغرب، فكنت - على الدهر - مجال احتراب بين الشرق والغرب. فصبراً يا مصر، فهذا الذي تعانيه هو مغارم الجمال والشرف والسلطة.

سموك (عروس الشرق) فكأنما أغروا بك الخطاب، وهجهجوا فيك لآساد الغلاب. ووسموك (بمنارة الشرق) فلفتوا إليك الأعين الخزر، ولووا نحوك الأعناق الغلب؛ ولو دعوك (لبؤة الشرق) لأثاروا - بهذا الاسم - في النفوس معاني رهيبة، منها دق الأعناق وقصم الظهور وتنزييل الأعضاء. قديماً سموا بغداد (دار السلام) فجنوا عليها وكأنما دلوا عليها المغيرين؛ ولو سموها دار الحرب لأوحى الاسم وحده ما تنخلع منه قلوب الطامعين، وتخنس له عزائمهم، وتنكسر لتصوره الجيوش اللجبة. فغفرا - يا مصر - فما هذه الأسماء إلا من

<<  <  ج:
ص:  >  >>