يقول ابن إسحاق فيما يرويه ابن هشام في سيرته: أن عبد المطلب جد الرسول قد نذر - فيما يزعمون - لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا مبلغ الرجولة لينحرن أحدهم لله عند الكعبة. فلما توافى بنوه عشرة وصاروا رجالاً، جمعهم وأخبرهم بنذره ودعاهم إلى الوفاء به، فأطاعوا وقالوا: كيف تصنع؟ فذهب بهم إلى هبل - أعظم أصنامهم وكان مقاماً داخل الكعبة - وأقرع بينهم بالقداح - فخرج القدح على عبد الله أحب بنيه إليه، فأخذ والده إلى إسافٍ ونائلة - وكانا كذلك صنمين - وأخذ الشفرة وهم بذبحه، فقامت إليه قريش وبنوه ومنعوه ما أراد من الأمر الجلل، وانتهى الأمر باستشارة عرافة لعلها تأمر بما يكون فيه من هذه الكارثة مخرج، فأشارت عليهم بأن يقرعوا بين عبد الله وعشر من الإبل - وهي مقدار الدية - فإن خرجت القرعة على الإبل نحروها ونجا عبد الله، وإلا زادوها عشراً ثم عشراً حتى يرضى الله. وأخيراً رجعوا وظلوا بقوامهم يستوحونها وفي كل مرة يخرج القدح على عبد الله، حتى بلغت الإبل مائة، فخرج القدح عليها ثلاث مرات متواليات، فنحروها فداءً عنه، وكان فرح عظيم.
هل نرى سخرية أكبر من هذه؟ كبار العقول والأحلام يحكمون ما صنعوا وأقاموا من أصنام في أنفسهم وبنيهم ودمائهم! (ولقد كان الرجل إذا سافر فنزل منزلاً أخذ أربعة أحجار فنظر إلى أحسنها فتخذ وربَّا، وجعل الثلاث الباقيات أثافيّ لقدره، وإذا أرتحل تركه، فإذا نزل منزلاً آخر فعل مثل ذلك)
وإذا كان العرب - كغيرهم من الأمم - من الناحية الدينية والناحية الاجتماعية في حاجة إلى دين جديد يخرجهم من الضلال للهدى ومن الظالمات للنور، وينقذهم مما تردوا فيه من جهالة جعلتهم عبيداً لما يصنعون من أصنام وأوثان. هذا الدين الجديد كان الإسلام الذي يتفق والإنسانية التي بلغت النضج الكامل. جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فاضطرب لمولده رجال اليهود والنصرانية، إذ رأوا فيه قضاء على ما كان لهم من حول وسلطان.
هذا الدين كان حرياً بنا أن نعثر به ونهتدي بهديه، وقد رأينا كيف جعل من العرب