المتعادين المتقاطعين أمة متماسكة متحدة ملكت في سنوات معدودات بلاد فارس والروم، وكيف قدم للعالم مبادئ وتشريعات فيها الصلاح كل الصلاح والخير كل الخير، وكيف أسس حضارة لا تزال مضرب الأمثال.
نحن - وسائر المسلمين في العالم من أدناه إلى أقصاه - نحتفل كل عام بميلاد محمد صلى الله عليه وسلم، ويلقي في كل ما نقيم من حفلات ما يأخذ بالأسماع والألباب من النثر والشعر، فنظن أننا بهذا قضينا واجب الذكرى بخاتم النبيين الذي كان بعثه بشير رحمة للعالمين. لا، والله، لن نقضي حق هذه الذكرى المجيدة إلا كنا أهلاً لهذا الدين الذي نشرف بالانتساب إليه، وإلا إذا أخذنا بتشاريعه وآدابه وتقاليده. وإن أمة لا تعمل إلا الكلام تنمقِّه، والمآثر تعدِّدها، والتاريخ ينقِّر عنه في حسرة وألم، لهي أمة مقضي عليها بالانحلال. لقد صرنا في زمن يعتبر فيه طلب التشريع الإسلامي ضرباً من العبث، والمناداة بتقاليد الإسلام عودة للرجعة. وهؤلاء الذين يرموننا بالعبث والرجعية يرون الخير في أن يأخذوا من تقاليد أوربا وحضارة أوربا التي نشاهد مبلغ ما صارت إليه وما فعلت بأصحابها! وهم مع هذا كله يحتفلون بميلاد الرسول وبهجرته وبكل ذكرياته وأيامه المجيدة، ظانين أنهم بما يلقون أو يسمعون من الخطب قد قضوا ما عليهم من واجب!
لمحمد صلى الله عليه وسلم الذي نتذكر هذه الأيام من كل عام مولده هدْىٌ وسنن في كل نواحي الحياة، وللدين الذي أرسل به تشاريع تناول جميع الشئون، ونجاحنا في هذه الحياة وسعادتنا فيها في الدار الآخرة رهن بإتباع هذا الدين في الجليل من الأمر والحقير، وكرامتنا كأمة لها مقوماتها وخصائصها في أن نلجأ إلى هذا الدين وحده، نأخذ منه ما نحتاج من تشريعات وقوانين وتقاليد هي مجلبة للعز والفخر.
يبدأ الاحتفال وينتهي في القليل من الزمن، ويعود كل المحتفلين إلى داره. فليتذكر كل منا إذن إذا ما خلا بنفسه بعد أن أنفض الحفل: أنه مسلم، وأنه منذ ساعات كان الاحتفال بذكرى ميلاد نبي الإسلام ورسوله، وأن هذا الإسلام - فيما يوصي به - بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن كان في ذلك غضب الرؤساء وأولي الأمر، وبالرفق بالفقير وإعطائه حقه وبالإخلاص لله في السر والعلن، وبعدم خشية أحد إلا الله مالك الأمر كله، وبعدم استخذاء الإنسان فلا يذل لغيره من المخلوقين مثله، وبالغضب لله كلما أمتهن شيء