في مصر بصيص من العلم والفن مشى بنوره الأقلون، وبان لبعضهم حقائق واقعة في وطنهم، مانعة من إصلاح الفاسد وتيسير الرقي، فمالوا طبعاً إلى كشفها لقومهم بشتى الأساليب في سبيل المصلحة العامة. ومن هؤلاء أحيانا من يخص الغناء والموسيقى ببعض ما يكتب.
هذا موضوع قد يتناوله كتاب تدفعهم إلى البحث فيه مصالح خاصة، أو أهواء ليست في شيء من غرض الإصلاح، أو مقرونة بقصده، فيسيئون إلى أمتهم، أو يكون ضرر صنيعهم أكبر من نفعه. أما دعاة الإصلاح الصادقون فلا غرض لهم سواه؛ وهم لا يوجهون نقدهم إلى أشخاص معينين، بل يكشفون حقائق طور من الأطوار أدت إليه عوامل عامة أحدثت هذه الحال الشاملة التي لا يلام عليها الأفراد من مؤلفي الأغاني والملحنين والمغنين والموسيقيين.
على أن المعلمين والمثقفين، المتفوقين من أهل الفن، يلام الواحد منهم إذا هو وقف من كلام النقاد على حال فنه الحقيقية السيئة، فلم يجتهد في إنقاذه منها بما في وسعه ولو كان مقصوداً بنقد، أو واهما ذلك: لأن كل محب لفنِّه ليس يبالي إلا بما يرفع من شأن الفن. والإصلاح آت، وإن كان مما لا يتحقق في لحظة. وأغلب الظن أن الذين يمهدون طرقه، أو تتاح لهم فيها فتوح، سوف يظهرون من هذا الفريق؛ ولا يعادل انتصار على ناقدٍ لذة مسابق يسبق إلى مثل هذا الفوز وينال شرفه.
ثم إن أولئك الدعاة ينظرون إلى المستنيرين المخلصين لفنونهم ويأملون الآن منهم أن يؤمنوا أولاً بحقائق عيوبها، وأن يدركوا أن إزالة هذه العيوب يزيد الناجحين منهم نجاحا: فإن هذا الإيمان وهذا الإدراك هما مفتاح لباب الإصلاح. ولذا كان من النافع أن تتعرف آراؤهم فيما يلاحظ على الغناء والموسيقى بمصر.
أبدي شاعر نابه، عميق العاطفة، عذب الأسلوب، رأيه في هذا الموضوع بمقال جاء فيه أنه رأي، في سنة ١٩٢٥، ما يهدد الأخلاق من شيوع (الأغاني المكشوفة) فدخل مضمار