ولقد اشترط القانون اليوم فيمن يولى القضاء سناً معينة لابد من إكمالها وامتحاناً مسلكيا. والشرع لم يشترط إلا البلوغ. ولما قلد المأمون يحيى بن أكثم قضاء البصرة وكان ابن ثماني عشرة تكلم بعض الناس فيه لحداثة سنه، فكتب إليه المأمون: كم سن القاضي؟ فكتب في جوابه: أنا على سن عتاب بن أسيد لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة قاضياً وأميراً. فسكت عنه المأمون وأعجبه
والامتحان المسلكي معروف عندنا، وقد دعا عمر قاضياً كان في الشام حديث السن فامتحنه بالعلم فقال له: بم تقضي؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فان لم تجد؟ قال: بما قضى به رسول الله. قال: فان لم تجد؟ قال: بما قضى به أبو بكر وعمر. قال: فان لم تجد؟ قال: اجتهد رأيي. فقال له عمر: أنت قاضيها. ورده إلى عمله. وحديث عمرو بن العاص لما جربه النبي صلى الله عليه وسلم واختبره عمليا، معروف معلوم
والقاضي الشرعي اليوم لا يجرب ولا يدرب، كما يدرب (حاكم الصلح) إذ يعين عضواً ملازما ثم يبعث حاكما. بل إنه يستقل بالحكم من أول يوم. وهذا مما ينبغي النظر فيه. وليس يجوز أن ينفرد القاضي بالحكم حتى يتمرس به ويتمرن عليه مدة في محكمة من المحاكم، فإذا استأنس المفتي رشده ولمس مقدرته على القضاء، ورآه أهلا له، قيل له، أعل قوس المحكمة، وتوكل على الله، وكذلك في مصر يصنعون، على أن القضاء الشرعي فيها (إلا الجزئي منه) قضاء جماعة، فكيف وهو عندنا قضاء فرد، وان وظائف القاضي من قضاتنا في أنأى محاكم الجزيرة أو حوران وسلطانه كسلطان قاضي دمشق أو حلب ينظر نظره في كل دعوى، ويحكم حكمه في كل خلاف. والقضاء في مصر على درجتين يؤمن معهما الغلط، وهو عندنا على درجة واحدة، ما فوق القاضي إلا محكمة التمييز (النقض والإبرام) وهي تعني بالشكل لا بالأصل وتنقض حكم القاضي ولكنها لا تحكم في الدعوى.
هذا وإمام المسلمين مأمور بأن لا يقلد أحدا شيئاً من عمل المسلمين إلا إذا علم صلاحه له. روى عن الني صلى الله عليه وسلم أن قال: (من قلد رجلا عملا وفى رعيته من هو أولى