(. . . لقد قال لها إن الجبل يناديني يا (سافو). . . ثم رفع
صوته قائلا: إن الله قريب مني وإني لأراه في هذا النور الذي
يطفو على (سيناء)! وفي هذا الفتون الذي يراق على بادية
التيه!)
قال (كريستيا)(لسافو) وقد اطرح الدير في الليلة الجوناء وهبط (وادي العربة) تاركا وراءه قنن جبل (حور): ناشدتك الله يا أخية أن تسمعني شيئا من حوار (أوديب) حينما اشتملت عليه جبال وطنه، فإنه ليروق لي وقد شابهت هجرتي هجرته وماثلت شجوني شجونه، وحاكت ليالي لياليه، أن استمع لجرسه الشجي في هذا الوادي المصحر. . . إنك لتتذكرين خروج هذا الملك في ذات ليلة إلى جبال (كولون) ومعه ابنته (أنتيغون) فلما أظلته السحب وأرزمت السماء وقعقعت تهافت على ابنته في رفق وحب وسألها أن تذكر له اسم الأرض التي وطئها وقال لها انه يحب أن يدفن آلامه ومتاعبه وذكرياته في المنفى، فطفقت (أنتيغون) تتحدث إليه عن وطنه الجديد، فرق وسكن ولطفت أحاديثها حزنه. نعم حدثيني يا (سافو) عن (أوديب) وعن (أنتيغون) فإنما أنا ذلك التعس (أوديب)، وأنت (أنتيغون) رفيقته في أرض المنفى، ولكن سافو كانت تفكر في (فروه ابن عمرو) وفي المعركة التي نهد إليها برجال حصدت نصفهم الحرب وما يستطيع الذين نجوا من غضب (قيصر) أن يستبقوا الحياة إلى ليل فلقد تتعاورهم الرماح والنبال والسيوف من كل ناحية ويمنعهم هذا الجيش الكثيف الرابض عند منافذ الأودية ومسارب الطرق من الإفلات. فتضيق بهم (سلع) ويضنيهم الحصار والطوى والبرد وانقطاع المدد:
لقد كانت تفكر في هذا كله ساعة أرادها الشاعر المثال على قراءة قصة (أوديب) الملك، فلما لم تسمعه صوتها تغنى بشعر (سفوكليس) وحسب نفسه وهو يطأ الجبل أنه ذلك التعس