ليس (معلقة الأرز) ديواناً شعرياً بالمعنى الذي تؤديه لفظة ديوان - أي مجموعة قصائد تتفاوت فيها المعاني والمباني - وتتباين فيها الخلجات والنزوات، وإنما هو رسالة في الأدب شاء ذوق صاحبها الفني أن يحملها قصيدة واحدة دعاها معلقة الأرز - والأرز رمز لبنان الخالد مسقط رأس الناظم النازح - وأردفها بمقطوعة شعرية صغيرة دعاها (أنشودة الغريب) بث فيها حنينه إلى لبنان مهوى فؤاده، ومثار إلهامه.
وتحميل الشعر رسالة في الأدب بادرة مستحدثة في الشعر العربي، فقد كنا حتى اليوم نقرا رسالات الأدب نثرا لا شعرا، كما أننا نعرف الشعر مستودع النزوات العاطفية والخلجات النفسانية يعتلج بالخواطر والمرائي والصور.
وسيان عندنا أَحمِّل الشعر رسالات أو نزوات وحمِّل الفلسفة والتاريخ والعلم أم اقتصر على تصوير وبثّ خلجات الروح فجل ما يعنينا أن يحتفظ بسموه ومكانته وأن يستوعب الفن الرفيع ولا يضير الشعر أن يؤدي للناس رسالات في الأدب إن استطاع الشاعر أن يسمو فيه ويحلق، وإن تمكن فيه أن يقنع قارئيه بصحة رأيه وصواب فكرته.
والرسالة التي شاء الأستاذ نعمة قازان أن يدفعها للناس في معلقته يتلخص مرماها في إيثار المعاني على الألفاظ، وهي رسالة كثر فيها القول واشتد حولها الجدل.
والأستاذ قازان على كل حال لم يأت في قصيدته بشيء من الحجج الدامغة ليقنع قراءه بفكرته، أو في الأحرى بمذهبة هذا وإنما يعرض عليهم آراءه عرضا وهو يسخر من خصوم المذهب الأدبي الذي يعتنقه سخرية لاذعة فيها التهجم الكثير والتجني الكثير.
يقول حضرته:(لكم وزنات ولي وزنتي).
ولكن أية وزنة هي هذه التي يريد أن يتاجر بها.
إنها وزنة جد راجحة عنده وقد يبلو في سبيلها كل عناء إلا أنه لن يتخلى عنها مهما لاقى