للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين السياسة والأدب:]

إنجلترا في مرآة حافظ

للشيخ محمد رجب البيومي

(بقية ما نشر في العدد الماضي)

ونعود ثانية إلى حافظ، فنذكر انه استقبل السير غورست خليفة اللورد كرومر بقصيدة حافلة، نطق فيها بآلام الشعب وآماله وعاوده السخط على العميد الراحل، فسلقه بلسان حاد قاتل، ثم انتقل به الحديث إلى عدو اللغة العربية (دنلوب) وما ارتكبته في دار المعارف من حماقة ونزق، فقال.

رمى دارة المعارف بالرزايا ... وجاء بكل جبار عنيد

يدل بحوله ويتيه تيها ... ويعبث بالنهى عبث الوليد

فبدد شملها وأدال منها ... وصاح سبيلك أن تبيدي

فليت كرومرا قد دام فينا ... يطوق بالسلاسل كل جيد

لننزع هذه الأكفان عنا ... ونبعث في العوالم من جديد

وقد كان شاعر النيل صادقاً حين عبر في هذه القصيدة عما يضمره المصريون للمحتلين من غضب وغيظ. وكيف نغرت في النفوس جراح دامية لا تكاد تندمل حتى يهيجها الشر مرة أخرى فتنفث ما بها من قيح وصديد، اسمعه إذ يقول:

جراح في النفوس نغرن نغرا ... وكن قد اندملن على صديد

إذا ما هاجهن أسى جديد ... هتكن سرائر القلب الجليد

فتح غضاضة التاميز عنا ... كفانا سائغ النيل السعيد

أرى أحداثكم ملكوا علينا ... بمصر موارد العيش الرغيد

أكل موظف منكم قدير ... على التشريع في ظل العميد

إذ يقونا الرجاء فقد ظمئنا ... بعهد المصلحين إلى الورود

وإذا كان اللورد السابق قد ارتكب جرائمه في وضح النهار فإن السير غورست قد تقنع بالمكر والخديعة فأظهر كثيراً من البشر والابتسام، بينما أخذ ينفث سمومه القاتلة في دامس

<<  <  ج:
ص:  >  >>