للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيبات]

للأستاذ أنور المعداوي

توفيق الحكيم في ميزان الفن والنقد

الرأي الذي كونته لنفسي عن فن توفيق الحكيم قبل أن أعرفه، هو الرأي نفسه الذي انتهيت إليه بعد أن عرفته. كل ما حدث هو أن معرفتي به قد زادتني اقتناعاً بهذا الرأي وإيمانا به. أما هذا الإيمان فقد قام على دراسة بعيدة المدى لفنه أولا ولشخصه ثانياً، وأستطيع أن أقرر وأنا مطمئن أن كل ما أكتبه هنا - في رأيي على الأقل - يتسم بسمة المعرفة، والصدق، والثقة التي تستمد عناصرها ومقوماتها من الواقع الملموس.

أول مزية من مزايا هذه الشخصية الفنية أنها من الشخصيات النادرة التي تتمتع بحظ كبير من القلق النفسي، وهو أول أداة من أدوات كاتب القصة. . . ومن طبيعة الشخصية القلقة أنها تثير دائماً ألواناً من (الصراع الفكري) في ثنايا القصة والمسرحية، وكلتاهما تعتمد أول ما تعتمد على هذه الدعامة الفنية الفذة، وأعني بها (الصراع)! القلق الدفين والشك الملح صفتان تجريان مجرى الدم في طبيعة توفيق الحكيم النفسية؛ ومن هنا تجد شخصيته القلقة منعكسة بوضوح في أكثر ما يكتب، ويستطيع الذين لم يتصلوا بهذا الكاتب، ولم يتهيأ لهم أن يعرفوه معرفة خبرة ودراسة ويقين، أن يلتمسوه هناك في كثير من شخصيات قصصه ومسرحياته. . . إنها شخصيات حائرة، قلقة، مترددة، يندر أن ينتهي بها المطاف إلى استقرار. وهكذا تجد توفيق الحكيم في واقع الحياة؛ يعيش في دنياه هو لا في دنيا الناس: في تأملاته، في سبحاته الروحية؛ وهو لهذا كله يثير في فنه أشتاتاً من المشكلات الفكرية العميقة التي تحفل بالصراع، ولكن أي صراع؟ إن توفيق الحكيم يذهب في مقدمة (أوديب الملك) إلى أنه يقيم الصراع دائماً على دعامتين: الواقع والحقيقة، أي أنه يغرق أبطال قصصه ومسرحياته في خضم من (شهرزاد) و (سليمان الحكيم)! الذي تتجاذبهم فيه أمواج الواقع من هنا وأمواج الحقيقة من هناك. . هذا ليس كل الحق؛ إن في بعض مسرحياته صراعاً بين الواقع والخيال، وقد يبدو الخيال لبعض الواهمين ضرباً من الحقيقة، كما حدث لبعض شخصيات توفيق الحكيم في (شهرزاد) و (سليمان الحكيم)!

وسواء أكان الصراع بين الواقع والحقيقة، أم كان صراعاً بين الواقع والخيال كما حدث في

<<  <  ج:
ص:  >  >>