في ظلال الوحدة القاسية، ومن خلال الحياة العقلية الباردة، أرسل نيتشه صيحته العالية:(إن ما تسمونه الحب، ليس إلا سلسلة من الحماقات القصيرة المتتالية. أما الزواج فهو الحماقة المستقرة الكبرى التي تجيء خاتمة لتلك الحماقات)! وليس من عجب أن يعلن نيتشه مثل هذا الحكم على لسان نبيَّه زرادشت؛ فإن فيلسوفنا قد جهل المرأة، ففاتته بذلك معرفة جانب كبير من جوانب الحياة الإنسانية. وقد شهدت بذلك أخته فقالت:(إنني لم أشهد لديه أدنى أثر من آثار عاطفة المحبة. فكل اهتمامه كان منصرفاً إلى المسائل العقلية، وأما ما عدا ذلك فلم يكن يلقى منه غير اهتمام سطحي. ويظهر أنه هو نفسه قد عانى كثيراً فيما بعد، بسبب انعدام كل عاطفة من عواطف الحب لديه). وإذا كان نيتشه قد جهل ذلك العلم الكبير الذي سماه سقراط باسم (الحب)؛ فليس بدعاً أن تجيء أحكامه التي أطلقها على المرأة، أحكاماً قاسية لا تثبُّت فيها ولا هوادة. وهو نفسه قد فطن إلى أن جهله بالمرأة لابد أن ينحرف به عن جادة الصواب؛ فذكر على لسان تلك المرأة العجوز التي التقى بها حكيمه زرادشت:(إن من الغريب أن ينطق زرادشت بالحق في حديثه عن النساء، مع أنه لا يعرف عنهن إلا الشيء القليل!)
ولكن ما هو هذا الحق الذي نطق به زرادشت في حديثه عن المرأة؟ أَلا فلنستمع إليه وهو يفضي إلى تلك المرأة العجوز بسر (المرأة) الذي كشفت له عنه الحياة!: (كل ما في المرأة لغز، وليس لهذا اللغز من حل إلا الولادة. . . ليس الرجل للمرأة إلا وسيلة، أما الغاية فهي دائماً: الولد. . . يجب أن يُنشأ الرجل للحرب والقتال، أما المرأة فيجب تُعّد للترويح عن المحاربين، وكل ما عدا ذلك فهو حمق وضلال). أما المساواة بين الرجل والمرأة فهي حديث خرافة، لأن الجنسين مختلفان، ووظيفة كل منهما مختلفة كذلك عن وظيفة الآخر. ويصف نيتشه هذه المساواة بأنها مساواة مضادّة للطبيعة لأن من المحال أن تنقلب المرأة