للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رجلاً، مهما أجهد أنفسهم في توطيد أسباب ذلك الانقلاب. ومهمة الرجل في نظر نيتشه هي أن يقوم بجلائل الأعمال، ومختلف ضروب الحرب والقتال؛ أما المرأة فإنه ليس ثمة لديها شيء سوى الحب والطفل. وتبعاً لذلك فإن سعادة الرجل هي: (أنا أريد)، وأما سعادة المرأة فهي: (هو يريد)

وقد حَمَل نيتشه على (الزواج الحديث) - كدأبه في الحَمْل على كل ما هو مُحدث -، وأخذ عليه أنه زواج يقوم على العواطف الصاخبة التي لا تدوم، والأهواء الجامحة التي لا تستقر. فالزواج لا يمكن أن يقوم على الحب، لأن الحب يعصف برجاحة الحكم؛ وإنما الواجب أن يقوم على أساس من التدبر والحكمة. وإذا كان نظام الزواج، في المجتمع الأوربي الحديث، قد أخذ يزحف على ساقين؛ فما ذلك إلا لأن زواج الحب قد أصبح يُنظر إليه اليوم نظرة ملؤها التسامح والتساهل. أما الزواج الكامل الذي تتحقق فيه حكمة هذا النظام على أحسن وجه، فهو ذلك الذي تكون فيه الرابطة بين الزوجين، رابطة قوية لا تنفصم عُراها، بحيث لا يمكن أن تعصف بها الأهواء العابرة والنزوات العارضة. ومثل هذا الزواج لا يمكن أن يكون الأصل فيه هو الحب، بل (غريزة النوع) أو (غريزة الامتلاك) (باعتبار أن الزوجة والأبناء بمثابة ممتلكات للزوج)، أو (غريزة السيطرة). ويؤكد نيتشه قيمة غزيرة السيطرة في الزواج؛ فيقول إن الأسرة أشبه ما تكون بمملكة صغيرة تحتاج إلى أبناء وورثة لكي يدوم بقاؤها، ففي مجال الأسرة يستطيع الرجل أن (يباشر) إرادة القوة التي توجد لديه!

بيد أن نيتشه سرعان ما يعدل عن هذه النظرة، لكي يقدِّم لنا عن الزواج صورة أخرى محببة جميلة، يُدخل فيها فكرته عن الإنسان الأعلى؛ فيقول: (أنت شاب في مقتبل العمر، وتتمنى أن تكون لك زوجة وأولاد، ولكنني أسائلك: هل أنت رجل يحق له أن يطمع في البنين؟ هل أنت الرجل الظافر المنتصر على نفسه، المسيطر على حواسه، السائد على فضائله؟ أم أن الشهوة الحيوانية والحاجة الضرورية هما اللتان تتكلمان بلسان رغبتك؟ أم هي العزلة قد دعتك إلى ذلك؟ أم هو اضطرابك وتنازعك مع نفسك؟ إنني أريد أن يكون ظفرك وحريتك هما اللذان يتشوفان إلى الولد؛ وإن عليك أن تبتني الأنصاب الحية لظفرك وحريتك. أجل، إن عليك أن تبتني شيئاً يعلو عليك، ويسمو فوق مستواك. ولكن يجب قبل

<<  <  ج:
ص:  >  >>