للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قتيبة الباهلي]

البطل الفاتح

للمستشرق الإنجليزي هـ. أ. ر. جب

الأستاذ بجامعة إكسفورد

إن انتصار الجيوش الإسلامية في آسيا الوسطى أيام عهد الوليد الأول إنما يرجع قبل كل شيء إلى التعاون التام بين عبقرية الحجاج الحكيمة ومهارة قتيبة الحربية. ولقد بولغ - من بعض النواحي - في كفاية قتيبة بن مسلم الباهلي في قيادته الجحافل، وإن كانت المصادر العربية لا تنكر الحقيقة الواضحة في أن مقدرته لا ترتكز كل الارتكاز على العبقرية. ويتجلى لنا مراراً كثيرة إلى أي مدى كان دؤوب الوالي على الاهتمام بتقدم جيوشه، وما كان يأخذ به نفسه من وضع خطة القتال، ولو أن فضل إظهارها وانتهائها بالنصر المؤزر يرجع في الحقيقة إلى قتيبة. ويظهر أن الحجاج كان كبير الثقة في قائده إلى غير حد، وكما أنه لم يكن ليتوانى عن تعنيفه ولومه وتحذيره إذا جد ما استدعى ذلك، كذلك كان لا يحجم عن إظهار تقديره لنجاح قتيبة. وسرعان ما أدرك العرب في جميع البقاع أن مقدرة الحجاج تشد من أزر قائدهم وإن استترت، فكان ذلك الإدراك مبعث كثير من هذه الهيبة التي حالت دون حدوث أي خلف في حياته

أما العامل الثاني الذي ساعد في الواقع على تلك الروح فقد كان ما قام به قتيبة خلال متابعته الفتح من توحيد جهات خراسان، وتأليفه الفرس والعرب، وقيس واليمن. ولم يكن من الهين عليه أن يستبقي حماسة جنده - التي لا يعرف التخاذل إليها سبيلاً - إزاء معارك طويلة الأجل حامية الوطيس، وهيهات أن يقصر تفسير هذا الحماس على أنه الرغبة في الغنيمة الوفيرة فحسب. وليس من البعيد أن يكون مرجع نجاح قتيبة في الغالب إلى مقدرته الإدارية أكثر من رجوعه إلى حكمة قيادته. ويظهر أنه أدرك أن استتباب سلامة ودعائم الحكومة العربية في ولاية كخراسان ينبغي أن يقوم - طوال حكمها - على تعاون الشعب الفارسي الذي يؤلف الغالبية العظمى في الإقليم: الأمر الذي لم يقم به حتى الآن أمير عربي في الشرق

<<  <  ج:
ص:  >  >>