اليسار ترى رجلا قد وقف إلى فرن، ووضع على غطاء أشبه بالقاووق وأمسك بيسراه شيئاً يخيل إلينا أنه بوتقة ليصهر فيها المعادن الخسيسة بقصد تحويلها إلى ذهب، وفي الوسط غراب أسود حالك السواد، وطير مقفص على اليسار. وعند ذيله وعلى يمين الصورة تشاهد حوضاً رقد فيه إنسان بعينين مفتوحتين ورسمت أعضاؤه بكيفية لا تخرج عن طريقة رسم التوصيلات الكهربائية اليوم، وكتب إلى جانب الحوض حمام مارية حيث تسلب روح الإنسان بطريقة السالب والموجب، أما الركن الأيسر فهو مليء بصور الآلات والأدوات إلى جانب الرموز الكيميائية القديمة
ينتج مما تقدم أننا قد اهتدينا بالبحث إلى باب جديد من الفنون الإسلامية تناولناه بشيء مبسط من التسجيل العلمي، لم تشرئب أعناقنا إلى قباب المساجد، ولا إلى رؤوس المآذن، ولا إلى سقف العمائر لنجده، ولكننا وجدناه في الكتب المهملة والكنوز المتروكة، حيث نجد في البحث والتنقيب عن معالم جديدة للحضارة الإسلامية المسجلة عن طريق الفن في مؤلفات المسلمين، الشاملة لعلوم الطب والجراحة والنبات والحيوان مما لا يتسع المجال هنا لذكره وإيضاحه. فإن كتبنا اليوم لنفتتح هذا البحث فإننا نكتب ليكون استهلالاً لسلسلة بحوث تدل على عظمة الحضارة الإسلامية عن طريق التسجيل الفني، مؤملين أن يتناول المسلمون في نهضتهم مؤلفات أجدادهم بتلك الروح التي تناول بها أهل أوربا؛ فيكون لنا بعث وإحياء لا يقلان عن بعث وإحياء أوربا في عصر الرفعة أو ما يمهد السبيل إلى نظيره
أحمد موسى
الحائز على دبلوم الدراسات العليا لتاريخ الفن العام