كتب ناقد أديب في الرسالة الغراء مقالاً عنوانه من عجائب الاجتهاد، يسجل فيها بعض المعاني التي أخذها الدكتور بشر فارس لمسرحيته من ديوان الأستاذ العقاد، وديوان الشاعر الأستاذ علي محمود طه المهندس
وهذا الاتهام - وأعني اتهام الشعراء بالسرقة والأخذ - قديم منذ اللحظة التي نشأت فيها حركة النقد الأدبي. وهي حركة ترجع إلى العصر العباسي حينما استطاع الذوق الأدبي أن يتكون. ومن أبطال هذه الحركة الآمدي صاحب الموازنة وأبن رشيق صاحب العمدة وقدامة بن جعفر نقد النثر ونقد الشعر وغيرهم
ولما استوت عوم البلاغة ووضعت لها قواعد والأصول، استطاع النقد الأدبي أن يجد فيها مستنداً يستند إليه. وأفردت فصول خاصة بالمعاني والسرقات الشعرية
والواقع أنه من الصعب أن يستقصى المعنى الواحد ويُتتبع ويرد إلى مخترعه أو مفتض عذرته. وقد حاول هذه المحاولة أبو هلال العسكري في كتابه ديوان المعاني، ونجح - إلى حد ما - في جمع المعاني الواحدة في سمط واحد مع التدرج في استعمالها، ووجوه الحسن في هذا الاستعمال وهل كان الآخذُ مفضِلاً على المأخوذ منه أم مساوياً أم مقصراً عن بلوغ شأوه
واشتط بعض البلاغيين في هذا الباب فوضعوا للسرقات الشعرية أسماء كثيرة كالمسخ والسلخ والسلخ والنسخ وغيرها. وكأنهم - سامحهم الله - جعلوا أسبقية الزمان سببا في الاتهام. فالشاعر التالي يعد في نظرهم آخذاً أو سارقاً إذا اتفق له معنى مما يكون قد اتفق لشاعر سابق. وقد يكون الشاعر المتهم بالأخذ أو السرقة أو السطو - أو ما شئت أن تسميه - بريئاً من ذلك كله. وقد يكون للمصادفة وحدها فضل اتفاق الخاطرين وورودهما على معنى واحد
ومثل الذي يقال في الشعر يقال في النثر؛ فمن الظلم أن يتهم دانتي صاحب الكوميديا الإلهية بالسطو على رسالة الغفران للمعري لاتفاقهما في كثير من الأفكار وأسلوب التحليق