كان المهد الأول للعربية (غول) عجوز شوهاء، عمرت هناك دهرا طويلا تأكل أكباد الرجال بالحقد والضغينة والحسد والأنانية والتفرد، وتلعب بقلوبهم، تتخذ منها عقوداً وقلائد، إذ تغري بينها العداوة والبغضاء، فتوقد نيران الحرب الطاحنة لتلغ في دماء الجميع: القاتل والمقتول، والخاذل والمخذول. . .
وقد اتخذوها إلهة معبودةً وقدموا لها القرابين من دماء الأحرار، وزينوا عرشها بجماجم الشبان المفتون دائماً بالبطش والحرب، وأنشدوها الأشعار، واجتلبوا لها الأسمار، وقرعوا الطبول، ونفخوا الزمور. . .
ما تركت فيهم شاباً يكتهل أو كهلاً يشيخ؛ فكبدها عطشى مخلوقة من نهم الرمال، وجشعها للدم المسفوح والدمع المنضوح. . . فلم تك تبقي للحياة إلا النساء والأطفال والمستضعفين، من الذين يقال فيهم: بقايا السيف، وطلقاء عفو القادرين. . .
وكان لها كأسان: تتلقى في إحداهما دم الرجال، وفي الأخرى دمع النساء على الرجال. . . ثم تمزج وتشرب وتعربد وتقهقه. . . كاشفة عن أنيابها الزرق المسنونة. . .!
تلك هي الفرقة! حليلة الشيطان المحظية. . . يقدمها بين يدي الجليل الخطير من كيده، ويرصدها لتحطيم الشأن العظيم في حياة الإنسان غريمه. . . أخرجه بها من الجنة حين فرق بين هوى آدم وحواء ووصايا ربهما، فأزلهما. . . فهبطا إلى الأرض للمحنة والعناء. . . فكانت بيده مفتاحاً عريقاً يفتح به قلوب بني آدم للشر، ويغلق به أبواب الخير. . .
وقد أسكنهما قلب الجزيرة العربية، وأوصاها ألا تترك قلوب هذه الأمة تجتمع وشملها يلتئم وذكاءها الخارق وبيانها الحاذق ييسران لما خلقا من أجله؛ إذ كان يعلم أن وثيقة ملاعنه وبيان خدائعه للنفس البشرية، ستكتب بقلم هذه الأمة، وتسجل في (كتابها)، وتنزل على قلب أحد أبنائها؛ فاستجمع لها كل خبائته ومكايده، واستعان حليلته وأرصدها لها بكل سبيل،