للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التاريخ يعيد نفسه بين المسلمين واليهود]

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

- ١ -

للتاريخ حكم يجري في الحاضر والمستقبل كما يجري في الماضي فلا يحزن المسلمون إذا رأوا اليهود يجاوزونهم الآن على إحسانهم إساءة، وعلى إنصافهم ظلماً وعدواناً، فقديماً أحسن المسلمون إلى اليهود فأساءوا إليهم، وعرضوا عليهم أن يعيشوا في وطنهم العربي إخواناً لهم، فرفضوا هذا العرض الكريم، وأبوا إلا أن تكون جاهلية يمرحون فيها وينهبون، فكان جزاؤهم للطرد من هذا الوطن، وسيطردون إن شاء الله من وطننا بفلسطين، ويجازيهم الله على بغيهم الجديد، كما جازاهم على بغيهم القديم. ولو تدبر اليهود حكم التاريخ لخففوا من غلوائهم، وخافوا حكم الله والتاريخ فيهم، ولكنهم قوم أعماهم حب النفس، فلا ينظرون إلى المستقبل، ولا تنفع فيهم عظة ولا عبرة، وهذا هو الذي جلب عليهم بغض الشعوب، وأوقعهم في كل ما وقعوا فيه من النكبات.

استولى الروم على بيت المقدس قبيل الميلاد المسيحي، وطردوا اليهود منه، فلجأ فريق منهم إلى بلاد العرب، ونزلوا بجوارهم في يثرب وغيرها من بلادهم، فنزلوا بينهم في أكرم منزل، وعاشوا بينهم في خسير جوار، وكان العرب في جاهليتهم دون اليهود علماً بشئون الحياة، فأستغل اليهود جهلهم، وأخذوا يقرضونهم الأموال بالربا الفاحش، حتى صاروا أغنى أهل الحجاز وامتلكوا أخصب أرضه بيثرب وغيرها.

وقد كان العرب في جاهليتهم يعيشون في حروب دائمة لا تنقطع فشاركوهم اليهود في تلك الحروب، وانغمسوا معهم في تلك الجاهلية الآثمة، واقسموا على أنفسهم فيها، كما أنقسم العرب على أنفسهم فلم يحاولوا أن يقوموا بينهم بصلح، أو يقضوا على شرور تلك الجاهلية، لأنهم لا بهمهم في هذه الدنيا إلا جمع المال، ولا يهمهم شيء من هداية الشعوب إلى ما ينفعهم في دنياهم أو أخراهم.

وكان أهل المدينة من العرب واليهود منقسمين قبل الإسلام إلى قسمين: أولهما عرب الخزرج ومعهم بنو قينقاع وبنو النضير من اليهود، وثانيهما عرب الأوس ومعهم بنو قريظة من اليهود وكان بين الفريقين حروب دائمة لا تنقطع، وكان آخرها حرب بعاث،

<<  <  ج:
ص:  >  >>