للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[لوعة الربيع]

وقفت - ولم أقصد - على ضفة النهر ... وطرفي ممتد إلى حيث لا أدري!

وفي النفس ما فيها! عواطف جمَّة ... يضيق بهادري، ويعيا بها فكري

عواطف، لا أدري حقيقة أمرها ... ولكنها بين الكآبة والشعر!

أراقب سير الموج، والريح سجسجُ ... تعابث وجه الماء، وهو بها يزري

ودجلة يجري في جلالٍ وروعةٍ ... وعزم كعزم الدهر، كراً بلا فرّ

تطلُّ عليه الشمس من خلف رفرفٍ ... - على الضفة الأخرى - من النخل والسِّدر

فينساب، لا يلوي على ما وراءه ... كأن به شيئاً من التيه والكبر

يجرُّ على الشطَّين فضل غلالةٍ ... من الموج، كالأملاك في غابر الدهر

رزين، قويّ، يملأ النفس هيبةً ... وقور، فسيح الصدر، متزن السير

فخيلّ لي - والماء ينساب جارياً ... كان حياة بين أثنائه تجري

ولو كان ذا روح، لعمرك - لم يكن ... بأهيب منه وهو يجري، ولا يدرى!

فحولت وجهي، ساكن النفسامتاً ... سوى خفقان خافت الجرس فيدري

فما هاجني إلا جلالة موكبٍ ... تسير به شمس الأصيل إلى الخدر

وقد برزت في حل من شعاعها ... مذهبة، في منظر فاتن مغري

ومن خلفها، يحملن فضل إزارها ... جوار من السحب المنوّرة الأز

ودرت بيميني حول نفسي فلم أجد ... سوى كل ما عند الطبيعة من سحر

فذى الأرض كيف إزَّينت وتجملت ... بثوب من الأعشاب رصّع بالزهر

وهذا النسيم الرطب، نشوان فارح ... بما نال عند الزهر من عاطر الذكر

وهاتيك أرواح تَجولُ في الفضا - ءِ محسوسة التأثير، مجهولة الأمر

لعمرك ما أدري! أأرواح جِنّة ... ترفرف، أم روح الربيع انبرت تسري

أم السحر هذا، أم خيالات شاعر ... سبت لبّه أشباح آلهة الشعر

وذانك عصفوران من خلف دجلة ... يطيران في جو من الحب والطهر

وتلك حمامات ينحن نوادباً ... يساجلن فوق الدوحادحة القمر

وكلٌّ بتمجيد الطبيعة هاتفٌ ... مُهنٍّ بميلاد الربيع ابنها البكر

بدت تعلن البشرى بشتى لغاتها ... فذا الطير بالنجوى، وذا الزهر بالنشر

<<  <  ج:
ص:  >  >>