. . . الجديد جديد في مظهره، قديم في جوهره، لا يصلح موضعاً لدرس ولا موضوعاً لحديث.
ستقول: إذن ما بال هذه القصائد الرائعة التي يجلوها الشعراء والمقالات الرائقة التي يدبجها الكتاب؟ فأقول لك إنك إذن تفهم من كلمتي القديم والجديد غير ما أفهم، وتريد من مدلولهما غير الذي أريد. كأنك تريد بهما ما كان يريده الأقدمون حين كانوا يتمارون في شعر امرئ القيس وجرير وأبي نواس وأبي تمام والبحتري والمتنبي وابن هانئ. والأقدمون كما تعلم إنما كانوا يختلفون في شكل الشعر لا في موضوعه، فهم يتكلمون في اللفظ الجزل والركيك، والأسلوب الرصين والمهلهل، والمعنى المسروق والمطروق، والتشبيه المنتزع من وجوه البادية أو من صور الحضر، والمطلع الجيد والرديء، والتخلص الحسن والقبيح، ويجرون في كل ذلك على أذواق تختلف باختلاف الطبقات والبيئات والصناعات والأجناس. وعذرهم في ذلك واضح. فالشعراء لأسباب فطرية واجتماعية، لم يقدموا إليهم الا نوعاً واحداً من الشعر هو ما يتعلق بالوجدان والعاطفة. فكان النقاد أمام وحدة الشعر العربي ونقصه، مسوقين إلى أن يقصروا جهودهم على لفظه: يحكون معدنه، ويعجمون عوده، ويسبرون غوره بالموازنة والمقارنة والتعقب. والشكل الخارجي حكمه حكم اللباس والأثاث والآنية: يتغير بتغير الزمان والمكان والحالة، ليس لأحد في ذلك حيلة.
فهل ترى أن أبا نواس مجدد بالإضافة إلى أمرؤ القيس، لأنه بدأ قصيدة بوصف الخمر، وتكلم في الغلمان والطرد؟ أو أن المتنبي مجدد بالإضافة إلى أبي نواس، لأنه داف شيئاً من فلسفة اليونان في شعره؟ أو أن مطرانا مجدد بالإضافة إلى المتنبي، لأنه ذكر القطار والكهرباء، ولوّن أدبه بأدب الغرب؟ أني لا أرى في مثل هذا التفاوت الظاهري تجديداً، ما دام الشعر قد ظل في كل هذه العصور واحداً في موضوعه وطريقه ونوعه ووزنه. . أما تغير الشكل فذلك فعل القانون العام الذي يغير أبدا كل شيء.
وهل قصد أحد من هؤلاء وأولئك إلى هذا التجديد المزعوم فجاهد في سبيله أهل جيله، كما