ص٣٩٨ - يزعم حضرة الناقد أننا قد اتبعنا رأى نيكلسون في أمر انتصار معاوية، وفي أن المسلمين اعتبروه انتصاراً للأرستقراطية الوثنية التي ناصبت الإسلام العداء.
وهذا الزعم غير صحيح، فإننا بنينا هذا الرأي على مقدمات صحيحة رواها ثقاة المؤرخين عن جمهرة المسلمين في القرن الأول الهجري. وهذا علي بن أبي طالب يقول في معاوية مخاطباً أصحابه:(انظروا إلى من يقول كذب الله ورسوله. إنما تقاتلون ابن رأس الأحزاب وابن آكلة الأكباد من قتلى أحد. وإنما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء ممن أسلم كرها وكان للرسول حربا وكان عن الدين منحرفاً). ربما تقول إن كلام علي لا ينهض حجة في رأي جمهور المسلمين حيال معاوية وشيعته، وإن التنافس في الحكم يدعو إلى أكثر من ذلك، فإن هذا القول في معاوية لم ينفرد به عليّ، فهؤلاء كبار الصحابة والتابعين يرددون هذا القول بل أشد منه. وهذا قيس بن سعد يقول للنعمان بن بشير (انظر يا نعمان هل ترى مع معاوية إلا طليقاً أعرابياً أو يمانياً مستدرجاً. وانظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه، ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك وغير صويحبك ولستما والله بدريين ولا عقبيين ولا لكما سابقة في الإسلام ولا آية في القرآن)، وقول ابن عباس: هذه الحرب بدأها عليّ بالحق وانتهى فيها إلى الغدر؛ وبدأها معاوية بالبغي، وانتهى فيها إلى السرف)، وهذا أبو حمزة الخارجي يقول في خطبته:(معاوية لَعِين الرسول وابن لعينه، وجلف من الأعراب، وبقية من الأحزاب، مؤتلف طليق، فسفك الدم الحرام، واتخذ عباد الله خولاً، ومال الله دولاً، وبغي دينه عوجاً ودغلاً. . . الخ).
لم نذكر هذه الأقوال معتقدين بصحتها كلها في معاوية، إذ رأينا الشخصي أنه مسلم عظيم خدم الإسلام خدمات جليلة، ولكنا اضطررنا إلى ذكرها لنبرهن على أن من استندوا إلى