(مات لوفن هوك وآ أسفاه! فمن بعده لدراسة تلك الحيوانات الصغيرة؟). هكذا تساءل رجال الجمعية الملكية بإنجلترا، وهكذا تساءل روُمور، ورجال الأكاديمية الفرنسية الألمعية في باريس. سؤال أجابته الأيام سريعاً، فان قماش (دلُفت)، لم يكد يُغمض عينته في عام ١٧٢٣ ليستريح تلك الراحة الطويلة الأبدية التي استحقها بعد طول جهد وعناء، حتى ولد في عام ١٧٢٩ صيادٌ للمكروب جديد، وذلك في بلدة (إسكانديانو) في شمال إيطاليا على بعد ألف ميل من مضجع (لوفن هوك). وكان اسم هذا المولود الجديد (لازارو اسبلنزاني) نشأ وترعرع فإذا به ولد يلثغ بالشعر بينا هو يلعب بالطين يصنع منه الكعك والفطير، ثم يعزُف عن طينه ويذهب في فطيره ليلهو بالخنافس والبق والذباب وأشتات الديدان يُجري عليها تجارب قاسية، هي عبث الصبي الذي لا يَحذق التجربة ولا يدر مبلغ الألم الذي تأتيه يداه. كان يُغرم بالطبيعة ويهوي الأشياء الحية، وبدلاً من أن يُبرم والديه بكثرة السؤال عنها، كان يمتحنها بنفسه، فينزع عن هذه رجليها، وعن هذه جناحيها، ثم يحاول أن يُثبتهما حيت كانا. كان يجب أن يعرف كيف تعمل الأشياء، ولم يكن يأبه كثيراً بأشكالها وظواهرها
وخاصم أهله كما فعل (لوفن) في تقرير ما يدرس من العلوم، وجاهدهم كثيراً من أجل دراسة المكروب. وكان أبوه محامياً، فبذل مجهوداً كبيراً في أن يُحبب إلى ابنه وثائق من القانون طويلة، وصحائف من حجج الدفاع عريضة، ولكن الصبي كان يهرب من هذا وذاك، فيذهب إلى بعض الجداول فيقذف سطحها برقيق الحجر، ويعجب من أن الحجر يقشط الماء ولا يغطس فيه
وكان يُغصب في الامساء على الجلوس إلى دروس لا لذة له فيها، فلا يكاد أبوه يوليه ظهر، حتى يقوم إلى الشباك ينظر إلى سماء إيطاليا وهي ناعمةٌ كالقطيفة السوداء قد تبعثرت عليها النجوم البيضاء، ثم يُصبح الصباح فيأتي رِفاقَه في اللعب يُلقى عليهم دروساً فيها حتى أسموه المنجم
وتأتي الإجازات فيضرب بجسمه العظيم في الغابات؛ فذات مرة وقعت عينه فيها على