للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين الشك والأيمان]

(شيللر)

للأستاذ خليل هنداوي

تتمة ما نشر في العدد الماضي

- ٣ -

في عام ١٧٩٠ كتب شيللر إلى صديقه (كاربز) الأمين (ما أحوجني إلى رفيق يقيم معي، ويقدر على إسعادي، وتبديد وحشتي ونفي همومي وتجديد أيامي) وكأن الأقدار رغبت في تحقيق رجائه فوهبته امرأة ما كان أدناها من هذا الصاحب الذي تمناه، وفيها يقول (غوته) إن الجمال النقي يرتسم على ملامحها، وأشعة الظهر تلمع في عينها. هي كثيرة الإحساس بكل ما هو خير وجميل في الحياة، وتغلب على مشاعرها الرقة والإيناس. وكان تأثير هذه الصاحبة الأمينة في حياة شيللر شديدا، فقد نفحت روحه بالأمل الذي هو سر الحياة، وكتب إليها قبل زواجه منها (أصبحت أرى نفسي متفتحة لكل ما هو خير وجميل. قد وجدت نفسي. . .) وبعد زواجه كتب (الآن غلب على مزاجي الاعتدال. وأيامي تنقضي خالية من ثورة الأهواء، صافية هادئة. وقد عدت إلى أعمالي بنفس ملؤها الطمأنينة كعادتي السابقة) وهذا الذي عرفناه ثائراً، شاكاً، ناقماً على نفسه وعلى الناس تميل روحه للاستسلام وتغلب عليه السكينة، فإذا ما عراه داء شكر ربه لأن يداً فوقه تبدي له من العطف أضعاف ما يحس من الألم. وقد منحته السماء طفلاً فقال (أحس بأنني أرى مشعل حياتي الذي بدأ ينطفئ، يشتعل في غيري. إنني راض عن القدر) ويتجه قلبه إلى أمه الكهلة التي يضطرم قلبها عليه حباً وحناناً فكتب إليها (كل ما يجعل حياتك سعيدة يجب أن يكون لك يا أماه! وأن الواجب يقضي علي أن أنقذ روحك من كل ملل. بعد تلك الأتعاب التي أرهقتك يجب أن يكون مساء حياتك صافياً هادئاً. . . .)

استشاره رجل يريد أن يقبل على ذلك العلم الخطير (الفلسفة) فراح يصرفه عنه بقصيدة تصف مخاطر هذا العلم وطريقه الملتوية.

هل أنت متأهب مع سلطان برهانك الكئيب؟

هل أنت ناضج الفكر لتظهر في الهيكل الذي يحرس. . . كنزه الخطير.

<<  <  ج:
ص:  >  >>