استمر (بوشيه) برغم كل معارضة قامت في وجهه، ولم يتطرق إليه خمول أو تهاون، فنشر في عام ١٨٤٧ كتابا عن اكتشافاته قوبل بالاستنكار، ونظر إليه الناس نظرتهم إلى مجنون. وظل على هذا الحال حتى أتى بعض العلماء الإنجليز يساعدونه عام ١٨٥٨ فاختبروا صخوره وفحصوا ما وجده من عظام متحجرة، وظلوا يجادلونه ويجادلهم حتى اعترفوا وجاهروا - بعد التثبت والاقتناع - أن هذه الصخور من عمل الإنسان وتشكيله. وهكذا ثبت أن الإنسان كان موجودا في وادي نهر السدم بفرنسا عندما كان المدرج الموجود الآن على ارتفاع ١٠. قدم مكونا مجرى النهر في ذلك الوقت حيث كانت تعيش أنواع غريبة من الحيوانات؛ وبذا يفتتح العالم أول باب لتاريخ حياة الإنسان في المدرجات.
وعندما عاد العلماء الإنجليز إلى بلادهم وجدوا في مدرجات نهر التيمس نفس الصخور النارية او وعظاما متحجرة تماثل تمام التماثل تلك العظام التي وجدت في نهر السدم. وبذلك بدأ باستخدام حفريات الأنهار لمعرفة تاريخ الإنسان القديم منذ مائة عام تقريبا، ولكنها لم تتحول إلى فن صحيح ذي قواعد إلا في السنوات الأخيرة.
سبق لنا أن تتبعنا تاريخ الإنسان القديم مما وجده الباحثون في الكهوف، وسنحاول الآن أن نرى ما قد تكشف لنا عنه هذه المدرجات. وفي الشكل (٢) ترى مثلا عاليا لتتابع المدرجات، ومن الطبقات السطحية للمدرجات السفلى نجد شواهد الكهوف نفسها ونفس الأدوات الحجرية عينها، بل وهياكل أنواع الحيوانات البائدة والعنصر الإنساني الذي كان سائدا في ذلك الوقت. تأتى بعد ذلك مدرجات احدث من الأولى تكونت في عصور متتابعة هي: سولتريان واورجنتيان وماجدالينان وموستريان وهو العصر الذي يقع قبل عصر الجليد مباشرة، وبدا نصل إلى عصر غمرت فيه الثلوج القارة الأوربية، وفي هذه الفترة يقع عصر أطلق علية اسم اشيوليان ومن عصر الموستريان حتى الآن تقع فترة يبلغ