للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في المخبأ. . .]

للأستاذ محمد محمود دوارة

عشنا لنرى ما لم يخطر لنا على بال. واضطرتنا حوادث الأيام إلى أن نأتي أعمالاً لو أنا أتيناها قبل اليوم لنسب إلينا الجنون المطبق!. . .

انقلبت جميع الأوضاع رأساً على عقب.

كان الظلام مبعث الرهبة والخوف، فأمسى هو الملجأ منهما كان المنزل هو المكان الذي يتوفر فيه أمن المرء وطمأنينته فأصبح الهلاك كل الهلاك في البقاء بالمنزل.

كانت الشجاعة في الثبات أمام الأخطار والكاره ومجابهتها وجهاً لوجه فإذا هي في الفرار والهرب.

كان النهار معاشاً والليل لباساً فإذا النهار غير معاش والليل هلاك.

كان القمر فتنة الكون في لياليه الباهرة، وكان نجوى الشاعر والعاشق والفنان، فإذا هو علامة من علامات الشر، ونذيرٌ من نذر الدمار والخراب.

فسبحان الذي يغير ولا يتغيّر. . .

بعد منتصف الليل والكون غارق في بحار الكرى تدوي في الفضاء فجأة أصوات منكرة متقطعة متكررة لا عهد لنا بها من قبل، فكأنه قد نفخ في الصور، وجاء البعث والنشور.

يثب المستدفئ من فراشه الوثير وكان لو خيَّر بين تركه أو خسارة نصف ماله لضحّى بالمال غير متردد في الاختيار.

وتمتلئ الشوارع في تلك الساعة التي اعتادت فيها الفراغ إلا من متسكع لا مأوى له، أو حارس تعلم بالتجربة كيف ينام وهو واقف، أو معربد جعل من ليله نهاراً.

رجال ونساء وصبية وأطفال كلهم مفزع مضطرب. كلهم صامت كأن لم يخلق له لسان ولا شفتان، وكلهم سريع الخطى لا فرق بين هرم وشاب، ولا بين عجوز وفتاة في عنفوان الصبا والشباب.

قف في تلك الساعة وتأمل معي الناس. . .

هذه جارتي الحسناء التي اعتادت أن تقف أمام المرآة نصف النهار لتخرج إلى الناس فتنة وسحراً لا يقاومان، هاهي قد خرجت تهرول بوجهها الذي خلقه الله. لم تمكنها المفاجأة ولم

<<  <  ج:
ص:  >  >>