يمكنها الخوف من الكذب على عباد الله.
وهذا جاري الذي لم أكن أراه ولم يكن يراه الناس إلا منتفخ الأوداج مصعر الخد متبختراً يمشي الهوينى كأنه الهودج أو الديك الرومي، هاهو الآخر يهرول في مشيته ضارباً بأصول العظمة والكبر ومشية الحاكم عرض الحائط.
وهذا الرجل الذي قطع حبل السكون بضراعته إلى الله تعالى وبدعوة رسله وأنبيائه وأوليائه، هل رأيته في الصباح وسمعته وهو يسب الأديان جميعاً لسبب من أتفه الأسباب؟
ما أروع الفرق بين الليل والنهار في هذه الأيام!
وما أقرب المسافة بين إيمان الإنسان وكفره، وبين أمنه وخوفه وبين هداه وضلاله!
وفي المخبأ في كل ليلة من ليالي الغارات تستطيع أن تشهد وأن تسمع ما لا عين شهدت، ولا أذن سمعت، قبل هذه الليالي السوداء!
دخل المخبأ متأخراً عن رواده بقليل رجل يحمل في إحدى يديه مصباحاً كهربائياً (بطارية) يستعين به بين الفينة والفينة على تعرف طريقه، فما كاد يطأ بقدميه بابه حتى ضغط زر المصباح ليرى ما أمامه، ولكنه سرعان ما ارتد إلى الوراء مفرغاً مضطرباً إذ تعالت صيحات الاحتجاج والتوبيخ الموجهة إليه من كل جانب.
- من هذا الحمار الذي يريد ضياعنا في شربة ماء؟!
- من هذا المجرم الذي يريد قتلنا؟!
- اطفئ النور أيها المغفل
- الله، الله. . . أتريد قتلنا بمصباحك كما قتل مصباح آخر قوماً آخرين بالإسماعيلية؟
ووسط ذلك السكون الرهيب والظلام الدامس انبعث صوت متحدث رزين تدل نبراته على فرط الرسوخ في العلم.
قال زاده الله علماً ومعرفة:
- الصمت مطلوب في هذه اللحظة يا إخوان، لأن طيارات الأعداء بها أجهزة خاصة لالتقاط أصوات المتكلمين وهي من الدقة بحيث لا يخفي عليها حتى همسات الهامسين. . . ضعوا ألسنتكم في أفواهكم، وإن استطعتم فاكتموا أنفاسكم على قدر الاستطاعة! بهذا حكم الله وبه قضى، ولا راد لقضائه سوى رحمته. واعلموا أن كل من يجازف بالحديث أثناء