للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[خاتمة فلسفية. . .!]

للدكتور أحمد فؤاد الأهواني

تلك هي الخاتمة التي انتهى الأستاذ عباس محمود العقاد.

ولم تكن هذه الخاتمة غريبة على هذا الكاتب الذي بدأ حياته أديباً، ناقداً، شاعراً، وكل شيء إلا الفلسفة. فقد يبدو للقارئ العادي أن معالجته الفلسفة الحقيقة مما يتنافى مع مظاهر كتاباته وكتبه، ومطالعاته في الكتب والفنون، غير أن الناظر في أعماق آثاره القلمية، أو القارئ ما وراء السطور، يلمح ولا ريب فكراً نافذاً عميقاً يتخطى الظواهر القريبة المألوفة، ويذهب إلى الأصول الأولى والغايات البعيدة. وتلك هي النظرة الفلسفية، رد الكثير إلى الواحد، والبحث عن العلة الأولى والغاية النهائية.

ولهذا السبب كان جمهور القراء يجدون مشقة في فهم آرائه، لأنه لا يحفل بالتوافه ويمضي إلى الأعماق، ولأنه كاتب لا ينزل إلى الجماهير بل يأخذ بأيديهم إلى مستواه.

وكتاب (في بيتي) الذي صدر في سلسلة (أقرأ) ينبئ عن هذه الخاتمة الفلسفية، ولو أن صاحب الكتاب تجنب الإعلان في العنوان.

أما كتاب الشيخ الرئيس أبن سينا، الذي صدر بعد ذلك بعام، فقد أسفر وأبان، وكشف فيه العقاد عن حقيقة نزعاته الفكرية، واتجاهاته العقلية.

غير أن نزعة الأدب التي ألتزمها خلال سنوات طويلة من حياته لم يتخل عنها، فهي منه بمنزلة الطبيعة. وبتعبير فلسفي: أصبحت (مادة) فكره فلسفية، و (صورة) فكره أدبية. وأعني بالصورة الأدبية أنه ينحو منحى ذاتياً شخصياً في التعبير، في مقابل النزعة العلمية التي عبر فيها صاحبها تعبيراً موضوعياً. لا تحس فيه بالتأثيرات الشخصية.

أو هكذا أفهم الأدب، ولعل فريق الأدباء يفهمون منه شيئاً آخر.

وقد تسأل نفسك: ما المادة وما الصورة، هذان الاصطلاحان اللذان وضعتهما بين أقواس؟.

ليس غريباً على من درس الفلسفة أن يعرفهما، فهما خلاصة مذهب أرسطو في الفلسفة، حين يقول: إن كل جسم طبيعي مركب من هيولي أو مادة، وصورة. ولا مادة بغير صورة كالتمثال مادته النحاس، وصورته هيئته التي هو عليها. ولست تجد نحاساً بغير صورة، مهما تكن.

<<  <  ج:
ص:  >  >>