للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لقد تعرض العقاد، حين تحدث عن فلسفة أبن سينا، لأفلاطون وأرسطو، وأفلوطين، والكندي والفارابي، بل وصل إلى فلسفة العصر الأخير الذي نعيش فيه، فكأنه اتخذ من الشيخ الرئيس محوراً تدور حوله الآراء من الماضي البعيد إلى الحاضر القريب.

وهو منهج سليم، لأن الفلسفة هي تاريخ الفلسفة.

وقد رأى أن يصنف المشكلات الفلسفية التي سوف يعالجها حتى يمضي في ترتيب ووضوح، فلخصها في مسائل أربع: وجود العالم، وجود النفس، وجود الشر، حرية الإنسان، ثم نظر إلى حلول الفلاسفة القدماء لهذه المشكلات العسيرة الحل، وأثبت رأي أبن سينا فيها، وهي على كل حال مشكلات لا تزال قائمة، تعالجها الفلسفة، وأكبر الظن أن الآراء سوف تظل متضاربة في شأنها، لأنها تفوق نطاق العقل وحدوده، على الرغم من تقريب العلم الحديث لبعض تفصيلاتها.

وإذا أردت أن تعلم رأي العقاد الشخصي في هذه المشكلات فاقرأ تعقيبه في آخر الكتاب، فهو يذهب إلى أن المادة والعقل شيء واحد. فيضع بذلك حداً حاسماً للمشكلة التي أثارها الأقدمون مشكلة الثنائية في الموجودات، أو الفلسفة المادية والفلسفة الإلهية، كما يقول العقاد في تقسيمه لمشكلات الفلسفة، وبين المادية والروحية كما يذهب إلى ذلك بعض المفكرين.

وفي ذلك يقول ما نصه في آخر الكتاب (فصورة المادة في أذهاننا باطلة. فكيف نعلم ما ي} ثر فيها وما لا يؤثر فيها على وجه التحقيق؟

(والذي يثبت في روعنا أن الكائنات خلق واحد يدور حول (الوحدانية)، ولا فرق بينهما غير الفرق بين التعميم والتخصيص.

(فالتعميم مظهر المادة، والتخصيص مظهر العقل والحياة.

(فالمادة في أبسط صورها شعاع (عام) لا فرق فيه بين مكان ومكان من الفضاء).

ولقد ميز ديكارت من قبل بين المادة والفكر، وجعل في العالم ثنائية يصعب الجمع بينهما بعد ذلك. غير أن اسبينوزا بالذانت وهو من المدرسة الديكارتية، اضطر للتوفيق بينهما إلى القول بوجود ما يسميه الامتداد العقلي

مهما يكن من شيء فإن اهتداء العلم الحديث إلى أصل المادة وأنها ذرة أو جزء لا يتجزأ، وأن هذه الذرة هي في النهاية إشعاع أو طاقة، كل ذلك لا يحل مشكلة المادة والعقل، لأن

<<  <  ج:
ص:  >  >>