للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[وداع. . .!]

نشرتْ على الأفقِِ البَعيدِ قلاعَها ... تلك السفينة ازمعت إقلاعَها

قد خلَّفتني كالغريب بشاطئٍ ... أودعتُ أسراري به فأضنها

السحْبُ أحبابُ تمزَّق شملهم ... والشمس غاربةُ تذيب شعاعها

يبدوا على الموج اللعوب ويختفي ... كسراب قافلة تذيب شعاعها

وسلوُّ ثاكلةٍ وأمنِ مضلِّلٍ ... وكدمع عاشقة، دعت فأطاعها

تذرى مدامعَها فإن مسَّ الأسى ... بردُ التجلد، حاولت إرجاعها

مضت السفينة بالكنوزِ وودعت ... أرض الصبابة: شطها وبقاعها

ضمت جوانحُها هناءةَ عاشقٍ ... لو يُسأل الدنيا بديلاً، باعها

وضياء مكفوفٍ وغفوةَ ساهد ... ومباه قافلةِ الهوى ومتاعَها

كيف استحال هناؤهن مواجداً ... بل كيف غيَّرتْ السنونُ طباعها

أين الهوى، وشكوك ويقينه؟ ... كانت رؤى حلم جفتْ هجّاعها

أيام كان لنا جنيناً يُرتجي ... ملأ الجوانح بالنعيم وراعها

ومساء مولده السعيد بجنةٍ ... تفتِ الرقيب وغيبَّت مناعها

بل أين يومَ حبا على بُسُط المنى ... طفلاً تبيح له الجنان رضاعها. . .

. . . أغرت به أرض الشقاء ضباعها ... حسداً وأضرتْ بالغرير سباعها

وا رحمتا للمستظل بدوحةٍ ... لا ظلها يلفي ولا أسجاعها

وا رحمتا للقلب بات نعيمه ... ناراً تزيد على الندى لذَّاعها

مضت السفينة بالكنوز وودعت ... أرض الصبابة: شطها وبقاعها

أخفت بخفاق المياه صفاحها ... ورمت لخفاق الرياح شراعها

يهفو إلينا بالشجون وطالما ... أهدي البشائر باللقا وأشاعها

طوراً تُحَجَّبُه الدموع وتارةً ... يهتز رفاَّفَ المنى لمَّاعها

فإِخالها ألقت هنا مرستها ... وإخالها مدَّت إليَّ ذراعها

ما أضعف الجبار في أوهامه ... طفلاً وما أقوى الرؤى وصراعها

حيناً تغرد للغرام وتارةً ... تبكي الصبابة: وُجْدَها وضياعها

(الإسكندرية)

<<  <  ج:
ص:  >  >>