هل تذكر أني وجهت إليك مقالاً من بغداد عن (القلب الغريب في ليلة عيد) منذ نحو أربع سنين؟ وهل تذكر أني تشوقت إلى دار تحب العيد وتحن إليه لأنها تراني مع العيد؟
ذلك مقال قبسته من نار قلبي، وأخذت مداده من دمي، وأرسلته تحية إلى دار عظمت ديونها على قلمي
وإنما وجهت إليك ذلك المقال لأثير في روحك التشوف إلى تعليل ما تعاني الأرواح من متاعب ليس لها في الظاهر سناد من مطالب المجد في هذا الوجود
فهل فكرت في تعليل هذا المعنى؟
وهل حاولت الدفاع عن الأعمار التي تضيع في تشريح نوازع الوجدان؟
أنا أطالبك بالرجوع إلى الوجدانيات، بجانب ما أقبلت عليه من الاجتماعيات، فقد كاد الأدب يخلو من الحديث عن أوطار الأرواح والقلوب ولا قيمة للأدب إن اغفل الحديث عن أوطار الأرواح والقلوب
واليك القصة آلاتية:
في حفلة من حفلات إحدى الطوائف المسيحية تسابق الحاضرون لتقبيل يد البطريرك، فرايته ينهض بقوة ليعانق من يسارعون إلى التسليم عليه، مع أنه فيما سمعت قد جاوز التسعين
وعندئذ غلبني الفكر الفلسفي فقلت لجاري في المحفل: إن راحة رجال الدين من هموم الحياة تمنحهم طول الصحة والعافية
فقال جاري بتحمس: كيف ترى ذلك وغبطة البطريرك يحمل هموم الطائفة كلها، ويعني نفسه بالدقائق الخفية لجميع البيوت؟
فقلت: المتاعب الفردية اعنف من المتاعب العمومية، فالرجل الذي يحمل هموم بيت يعد أهله بالآحاد أشقى من الرجل الذي يحمل هموم طائفة يعد أبناؤها بالألوف أو الملايين.