موضوع الدرس في هذه المرة هو كتاب المطالعات في الأدب والحياة للأستاذ عباس محمود العقاد عضو المجمع اللغوي، وهو كتاب يقع في أربع وعشرين وثلاثمائة صفحة بالقِطع المتوسط، وقد نشرته المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة، وثمنه خمسة عشر قرشاً. والنسخة التي أنقدها هي الطبعة الثانية، ولهذه الإشارة معنىً، فهي تشهد بأن هذه الكتاب نال بعض ما يستحق من النباهة والذيوع.
شخصية المؤلف
العقاد أديب منوَّع المواهب: فهو كاتب وشاعر وناقد وخطيب، على تفاوت في هذه الأوصاف لا يوجبه التقصير أو نقص الأدوات، وإنما يوجبه التفات هذا الأديب إلى بعض الفنون أكثر من التفاته إلى البعض، فهو كاتباً أقوى منه شاعراً، لأن ذهنه ارتاض على التعبير بالترسل، أكثر مما ارتاض على التعبير بالقريض.
ودرس اليوم لا يتصل بمواهبه الشعرية والخطابية، وإنما يتصل بمواهبه النثرية والنقدية، فمن هو بين الكتاب والنقاد؟
للعقاد في الكتابة والنقد شخصيتان مختلفتان كل الاختلاف: فالعقاد الكاتب السياسي يَرِمي ويرمَى، ويَظِلم ويظلَم، في كل وقت، فهو من أبناء السماء عند قوم، ومن أبناء الأرض عند آخرين. أما العقاد الكاتب الأدبي فهو من الطبقة الأولى بشهادة الجميع.
والعقاد الناقد لا ينحرف عن القصد إلا في حال واحد، حال الحكم على من يعاديه من المعاصرين، أما حكمه على المفكرين الذين بَعُد عهدهم في التاريخ فهو في غاية من العدل والسداد، وقد يصل به الرفق إلى المبالغة في إظهار المحاسن وإخفاء العيوب.
وانحراف العقاد في كتاباته السياسية والنقدية يشهد بأنه سليم الشخصية، وللسلامة هنا