ولكن الخير الإنساني شيء نفيس، والشيء النفيس له ثمن عزيز، وما الثمن العزيز إلا الجود بما نضن به ونفليه
ولهذا كانت الضحية عنوان الدين كله وقوام الخلق كله، فحيث لا ضحية فلا دين ولا خلق، بل غريزة حيوانية يتساوى فيها الناطق والأعجم، ويتلاقى فيها المريد وغير المريد.
وفرائض الأديان تكليف
والتكليف لا يخلو من الكلفة بحال، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها معناها أن تعمل ما تطيق وليس معناها ترك العمل لأنك تطيق تركه ويسعك أن تتناساه
وفي الشعر العربي بيتان لشاعرين حكيمين هما خلاصة الأدب وصفوة الخلق ومعيار التفاضل بين الفضائل، وهما بيت أبى الطيب إذ يقول:
لولا المشقة ساد الناس كلهمُ ... الجود يفقر والإقدام قتال
وبيت أبى تمام إذ يقول:
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها ... تنال إلا على جسر من التعب
ومعنى البيتين البليغين البالغين في الحكمة كلمة واحدة وهي:(التضحية) أو (الفداء)
فقولك أن الراحة خير من التعب، وأن الأخذ خير من العطاء، وأن السلامة خير من الإقدام، قول مفهوم قبل أن يكون خلق وقبل أن يكون دين.
فلما وجب على الإنسان أن يفهم أن بعض العطاء خير من بعض الأخذ، وأن بعض الراحة شر من بعض التعب، وأن بعض الموت أكرم من بعض الحياة، وأنه إنسان مكلف وليس بسائمة مهملة، كان له خلق، وكان له دين، وكانت الضحية التي يرمز إليها المسلم في عيده الكبير هي قوام ذلك الخلق وأساس ذلك الدين.