هذان لفظان أستخرجهما من لغتنا الزاخرة بالمفردات والتعبيرات لأدل بهما على ما يقال له (المناظرة).
والمناقلة في المنطق أن تحدثه ويحدثك، كما جاء في (القاموس) مادة ن ق ل؛ وتجد اللفظة أيضاً في (المخصص) ج٢ ص١٢٩. وقد استعمل الجاحظ هذا الحرف في رسالته الظريفة (التربيع والتدوير)(مجموعة رسائل، مصر ١٣٢٤ ص١٠٧) إذ قال: (ولو ظهر لما سألته كسؤالي إياك، ولما ناقلته الكلام كمناقلتي لك). وأما المثاقفة فقد استعملها التوحيدي في (الإمتاع والمؤانسة) ص٩ حيث قال: (فلعل هذه المثاقفة تبقى وتروى)؛ وشرحها ناشراً الكتاب هكذا:(المثاقفة: المطارحة في العلم والأدب ومذاكرتهما). والمثاقفة حرف حقيق بالحفاوة لهذا العهد، أفلا نستعمل كلمة الثقافة لذلك الجمع من ألوان الأدب وصنوف العلوم وضروب الفنون؟
وأما الذي يحدوني إلى عرض ذينك اللفظين بدلاً من (المناظرة) فانزلاق هذه، على أقلام المتعالين وصغار الكتبة، إلى المهاترة: تأخذهم بالحجة أخذ عزيز متمكن، فتدور رؤوسهم وتزلزل أقلامهم، فيفزعون من الجدل إلى الثلب. فإذا الذي يكتبونه يذكرك بقول ابن شبرمة:(ذهب العلم إلا غبارات في أوعية سوء). غير أننا صرنا - ولله الحمد - إلى عهد لا تفصل فيه سلاطة اللسان ساعة إفلات البرهان.
وإني ليحلو لي أن أثاقف أشراف الرجال وأناقل أثبات العلماء وأكابر الأدباء. وقديماُ ثاقفت المازل في (السياسة والأدب)، وناقلت بعد ذلك الأدب الكرملي والشيخ البشري، ثم الزكيين: مبارك وطليمات. واليوم أناقل (أستاذاً جليلاً) عالماً ثقة. ومما يورث الأسف اني لا أقوى على بث اسمه، وهو اسم عريض الجاه وضاح الحسب. لا أقوى على بثه لأن صاحبه يريد أن يكتمه من الناس تواضعاً؛ فتارة يوقع مقاله هكذا:(ن)، وأخرى هكذا:(القارئ) أو (أزهري (طنطا)). على أن قراء (الرسالة) يعرفون من وراء تلك الرموز.
علق (أزهري (طنطا)) في العدد الماضي من (الرسالة) على مقال كنت نشرته في (الثقافة)(العدد الـ ٥٦) جاء فيه أن أصحاب المعجمات ربما أثبتوا لفظاً في غير مظنته. فأضاف