يجدر بنا قبل المقارنة بين طبيعة الالتزام في القانون المدني والفقه الإسلامي، أن نلقي نظرة تاريخية لتطور فكرة الالتزام في الفقه المدني، حتى نكون على بصيرة بالمراحل التي مرت بها فكرة الالتزام إلى أن استقرت على أنها (رابطة قانونية ما بين شخصين دائن ومدين يطالب بمقتضاها الدائن المدين بأن ينقل حقاً عينياً أو أن يقوم بعمل أو أن يمتنع من عمل)
ومجال استعراض تطور فكرة الالتزام هو للقانون الروماني الذي يعتبر منبعاً استقت منه القوانين المدنية الغربية أحكامها، وسارت على هداه - ولا يزال فقهاء القانون المدني يراجعون شروح القانون الروماني لتبرير بعض النظريات الفقهية المعقدة ولحل مشاكلها العويصة.
في القرون الأولى التي مرت على روما القديمة لم تكن فكرة الالتزام معروفة، ولا الأشخاص الذي يلزمون بأداء التزام ما، كان الملتزم عادة شخصاً مستقلاً بحقوقه، يعقله رب الأسرة ويسخره في خدماته، كما يسخر عبده تماماً، بمقتضى حكم رسمي صادر من القاضي؛ ويكون عادة مقترضاً لم يتمكن من سداد دينه في الأجل المتفق عليه، أو وطنياً ارتكب فعلاً ضاراً به ولم يؤد التعويض الذي قرره القاضي وفرضه على هذا الفعل. وقد كان الملتزم يسمى (مقيداً) إشارة إلى تلك السلاسل والأغلال التي كان يقيد بها عند دائنه!
أكثر من هذا وكان المدين الذي تعهد بالدين في عقد الاستدانة يصبح - إذا عجز عن الوفاء - معرضاً لأن ينفذ الدين على شخصه دون استصدار حكم قضائي، فيقبض عليه صاحب الحق ويحبسه عنده مقيداً بالأغلال مدة معينة ثم يبيعه أو يقتله! إلا أن هذا المزج بين الحقوق العينية والحقوق الشخصية، واعتبار الحق الشخصي سلطة مباشرة على جسم المدين، والنظر إلى الالتزام كسلطة تمنح الدائن حق تعذيب المدين دون استصدار حكم قضائي والتنكيل به، استمر مدة، ولكن بنضوج الأفكار وتوسع الأفق التفكيري لدى الفقهاء الرومانيين، أخذت بوادر التمييز بين الحقين بالظهور، فتقدمت الأحكام وتدرجت القواعد