للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القانونية وتطورت فكرة الالتزام في العصر العلمي وهو عصر ازدهار الحياة القانونية لدى الرومان. فأصبحت القيود التي كانت تفرض على المدين تشمل جزءاً من حريته الشخصية؛ فبعد أن كان للدائن حق بيع وقتل المدين أصبح حقه مقصوراً على حبسه واستخدامه حتى يفي بدينه من ماله وثمرات كده. فالأغلال والسلاسل التي كان يرسف فيها المدين لم يبق منذ ذكراها إلا كلمة ومعناها ملتزم التي تطلق الآن على المدين. وقد استحالت الآن إلى قيود على جزء من الحرية الشخصية تسمى الالتزامات وأخيراً صدر قانون ثيودوز الأول في نهاية القرن الرابع بعد الميلاد بإلغاء المعافل الخاصة وإبدالها بنظام التنفيذ الجبري على مال المدين.

إن هذه النظرة الشخصية للالتزام في القانون الروماني قد وجدت لها أنصاراً من الفقهاء في الغرب وعلى رأسهم العلامة الألماني سافيني، إذ يرى (أن الالتزام عبارة عن سيادة الدائن، وهو وإن لم يكن سيادة تامة فإنه مظهر من مظاهرها، وقيد على حرية المدين لا على ذمته المالية فحسب، فالالتزام عنده صورة من صور الرق لا يشمل إلا جزءاً معيناً من حرية المدين. وقد تأثر بهذه النظرة الشخصية بعض الفقهاء الفرنسيين أيضاً منهم بلانيول وكابيتان وقد عرفت هذه النظرة في الفقه المدني: (بالمذهب الشخصي).

ولكن تجاه هذه النظرة الشخصية للالتزام ظهرت نظرة أخرى تناقض النظرة الشخصية ويرى أصحاب هذه النظرة (إن الالتزام علاقة مادية بحتة) وفرقوا بين عنصري المديونية والمسؤولية في المحل؛ فالمديونية هي تعلق الالتزام بالذمة وهذا لا يقتضي إجباراً، وأما المسؤولية فتقتضي الاستيفاء الجبري ووزعوا هذين العنصرين على ذات المدين الملتزم وماله، فاعتبروا شخصه مدينا، ولكن المسؤول عن التزامه (هو ماله لا شخصه) ولا حبس ولا إجبار على إيفاء الدين. وقد عرفت هذه النظرة في الفقه المدني (بالمذهب المادي). وقد يتبادر إلى الذهن هذا السؤال، ما الحكمة التشريعية التي من أجلها حاول الفقهاء أن يصبغوا الالتزام هذه الصبغة المادية، واعتباره منفعة مادية يمكن طرحها في السوق للتعامل؟!

الجواب على ذلك أن كثيراً من الوقائع القانونية لا يمكن تبريرها من الوجهة القانونية إلا إذا أخذنا بالمذهب المادي. كالالتزام بإرادة منفردة، والاشتراط لمصلحة الغير، وتحرير السندات لحاملها. . وغيرها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>