رأينا أن المذهب المادي أكثر مرونة من المذهب الشخصي وأكثر ملاءمة للأوضاع الاقتصادية الراهنة؛ لأنه يسبغ على الالتزام صفة (التكيف) مع تعقيدات الظروف الراهنة التي تتطلب السرعة والسهولة،
على أنه لا يجوز في الوقت ذاته إغفال المذهب الشخصي إغفالاً تاماً، فلا يزال الالتزام رابطة بين شخصين، ولا تزال لشخصية المدين والدائن أثر كبير في تكوين الالتزام وفي تنفيذه. ونضيف إلى ما تقدم أن شخصية المدين - بنوع خاص - ضرورية في الالتزام لا عند تنفيذه فحسب، بل عند نشوئه أيضاً، وهذا ما يعترف به المذهب المادي ذاته.
طبيعة المذهبين في الفقه الإسلامي:
بعد أن استعرضنا تطور فكرة الالتزام، وطبيعته في المذهبين الشخصي والمادي. . . نسأل ما موقف الفقه الإسلامي من طبيعة الالتزام. . . أو ما هي طبيعة الالتزام في الفقه الإسلامي؟!
(الواقع أن الالتزام في نظرة الشريعة الإسلامية هو في ذاته علاقة مادية إما بمال المكلف كما في المدين، وإما بعمله كما في الأجير، فالصاحبان، أبو يوسف ومحمد، يريان الحجر على المدين لا حبسه - وهذا الرأي أخذت به مجلة الأحكام العدلية - فهما لم يقتصرا على فكرة الرابطة الشخصية بل أدخلا فكرة القيمة المالية إلى جانبها وجعلا للدائن سلطاناً على مال المدين لا على شخصه.
ولكن هذا الالتزام ترافقه سلطة شخصية تأييداً لتنفيذه، إذ لولاها لتعذر التنفيذ بمجرد إخفاء المكلف ماله وامتناعه عن عمله، فلذا شرع الإسلام الحبس والتضييق على المدين والأجير وكل من هو مكلف بعمل لمصلحة غيره وجوباً حتى يقوم بما عليه. ولكن هذه السلطة الشخصية لم يمنحها الإسلام الدائن كما كان في التشريع الروماني، بل منحها الحاكم وجعلها من صلاحيته موقوفة على طلب الدائن. وقد ورد في الحديث الشريف (لي الواجد ظلم يبيح عرضه وعقابه). أي مماطلة الغنى (المدين). . يحل الطعن في أمانته وذمته. ولكن هذا الإجبار والإكراه إنما يكون فيمن ظاهر حاله اليسار، والقدرة على وفاء التزامه، فإما