[شخصية الزهاوي]
بمناسبة مرور عام على وفاته
بقلم السيد احمد المغربي
لسنا نقرر شيئاً جديداً إذا قلنا بأن الزهاوي كان شخصية فذة متعددة النواحي، تشهد على مدى نبوغه وعبقريته، ذلك لان الزهاوي لم يكن شاعراً مجدداً، دقيق الحس مفتوح القلب مرهف السمع، متقد العاطفة، ثائر القلب فحسب، بل كان إلى هذا كله فيلسوفاً تعمق في دراسة الفلسفة ونفذ إلى ما وراء المادة والطبيعة، فخبر أحوالها وتفهم ما دق من أسرارها وخفاياها. وكان في فلسفته متأثراً بأبي العلاء المعري، مترسماً خطاه، متبعاً أساليبه؛ ونظرة في ملحمته (ثورة في الجحيم) ومعارضتها برسالة الغفران، تؤيد ما نذهب إليه. ولا غرو فإن كلاً من الشاعرين الفيلسوفين كان يسخر من التقاليد الموروثة؛ ولماذا نذهب بعيداً والزهاوي نفسه يعترف بتلمذته عليه وإعجابه به وهو يشكو إليه ما أصابه من ظلم وحيف:
وإن أكبرَ شيء فيك يُعجبني ... سُخرية بتقاليد وعصيانُ
وأنكروا فيك إلحاداً وزندقة ... وعلَّ ما أنكروه فيك بُهتانُ
إني تتلمذتُ في بيتي عليك وإن ... أبلَتْ عظامَك أزمان وأزمانُ
أصابني في زماني ما أصابك من ... حيفٍ فما رد هذا الحيفَ إنسانُ
أما شعره فحر طليق، لا يتقيد بالسلاسل والأغلال، ينزع فيه نحو الطبيعة المطلقة، مخترقاً التقاليد التي ورثها الأبناء عن الآباء، خالياً من الصناعات اللفظية والخيالات الوهمية، نزَّاعاً إلى التجدد، ثائراً على النظام، متمرداً على الأوهام
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه ... فليس خليقاً أن يقال له شعر
ما الشعر إلا شعوري جئت أعرضه ... فانقده نقداً شريفاً غير ذي خللِ
الشعرُ ما عاش دهراً بعد قائله ... وسار يجري على الأفواه كالمثلِ
والشعرُ ما اهتز منه روحُ سامعه ... كمن تكهرب من سلك على غَفَلِ
فيه إلى اليوم ما قلدتُ من أحد ... وما على غير نفسي فيه متكلي
أفعمته حكماً تعلو، وأمثلة ... تحلو، فسُرَّ به شعب وصفَّق لي
وقد أعود به إبان أنظمُه=إذا تذكرت أيامي إلى الغزل