منذ سبع وعشرين سنة زلزلت أرض مصر بثورة انفجر فيها غضبها مما نزل بها، وجاش فيها تيار وطنيتها بعد أن عب عبابه ثم اندفع ذياداً عن كرمتها؛ وقد كان هذا الحادث العظيم من مفاخر مصر التي تبقى على وجه الدهر صفحة مجيدة يزدهي بها كتاب جهادها.
وقد كان كل مصري يود لو ينهض لتأريخ هذه الثورة عالم ثبت يحصي كل ما ذهب فيها من ضحايا وخسائر، ويسجل ما عانته البلاد في سبيلها من مشقات وشدائد، عادل نزيه يتولى درسها وتحليل أحداثها بروح الحق والإنصاف، فلا يستمليه هوى، ولا يلوي به أرب.
وظلت هذه الأمنية تعتلج في صدور أبناء مصر هذا الزمن الطويل، حتى ظهر في هذه الأيام كتاب قيم في جزأين كبيرين يؤرخ هذه الثورة الشاملة من قلم رجل أجمعت الأمة على صدق وطنيته وسعة إدراكه وعظيم جهده، ذلك هو الأستاذ الكبير عبد الرحمن الرافعي بك الذي توفر منذ عشرين سنة على دراسة الحركة القومية من فجر انبعاثها في العصر الحديث، وأخرج في تأريخها تسعة مجلدات غير هذا الكتاب الذي بين أيدينا اليوم، جعلها سلسلة متصلة الحلقات تؤرخ كل حلقة منها فترة من هذه الحركة أصدق تأريخ وأوفاه، حتى لقد أصبحت هذه المجلدات النفيسة أوثق الأسانيد وأصحها لتاريخ مصر الحديث
قال مؤرخنا الجليل في كتابه الحديث:(إنه عرض وتأريخ لثورة سنة ١٩١٩ أعرضها وأؤرخها كما أرخت الثورة العرابية من قبل، فهما ثورتان متعاقبتان في تاريخ مصر الحديث تتشابهان في الأغراض والمقاصد، وإن كانت الثانية تفضل الأولى في النتائج)
ولما كانت هذه الثورة قد شبت عقب الحرب العالمية الأولى، فقد مهد المؤلف بصدر صالح من القول فيما كانت عليه مصر أثناء هذه الحرب من سنة (١٩١٤ - ١٩١٩) وما أصابها في هذه الفترة من فرض الحماية البريطانية، وإعلان الأحكام العرفية، والرقابة الصحفية، ووقف الجمعية التشريعية، واضطهاد الحركة الوطنية، وتشتيت شمل رجال الحزب الوطني الذين كانوا يقومون وحدهم حينئذ بهذه الحركة، وذلك بالاعتقال والنفي، وعدَّد ما استولت