لا نظنك ظاناً أننا آخذون في تفصيل فلسفة برتر اند رسل، في هذا المكان، بل حتى ننأى بك عن أن تظن أننا آخذون في إجمالها لك الآن، وأنت تعرف من دون شك أن هذا الفيلسوف قد جال في ميادين عدة، كل ميدان منها يحتاج إلى غزو وتذليل، فأنت تعرف أنه فيلسوف قبل كل شيء ومنطقي، بل إمام في المنطق، وصاحب مذهب جديد فيه، ثم هو عالم رياضي من الرعيل الاول وكاتب اجتماعي وأخلاقي وصاحب أراء في التربية، وهو في كل ذلك نسيج وحده، يتناول كل شيء بعقله الخاص وذهنه العجيب. فهو حر إلى أبعد حدود الحرية، يمقت الاستعمار ويزدريه. ويرى أن بريطانيا بدون مستعمرات، وإمبراطورية، تكون أسعد مما هي عليه الآن، ولعل في ذلك أثر من جدته، ثم هو ببغض الألقاب والمزايا الوراثية ويسخط عليها مع أنه سليل اللوردات أرستقراطي الأصل.
وأن مفتاح فلسفة رسل هو الفكر الحر والنظر العقلي البحت والاطمئنان إلى ما يطمئن إليه العقل والنفور مما لا يتفق معه، ولا شك أن عقلاً هذه طبيعته وذهنا هذه خصائصه، لابد أن يتجه إلى الرياضة، فهو مثال العلمالعقلي الدقيق ولكن عقلاً جبل على النظر الحر لا بد أن يستقرئ ويتعمق حقائق الرياضة. فقاده ذلك إلى القضايا الأولية التي تتركب منها الرياضة، ولكن هل الرياضة هي الوحيدة التي لها هذه الميزة وهذه القضايا.؟ لا، إن هناك علماً آخر هو المنطق، علم النظر العقلي الدقيق أيضاً، فليدرس المنطق، ولكنه يجد أن المنطق يتكون من بديهيات عقلية أساس للحقائق الرياضية، إذن فالرياضة والمنطق أساسهما واحد، بل إن الرياضيات والمنطق الصوري شيء واحد، وفي مقدور العقل أن يستنتج كل حقائق الرياضيات من عدد صغير من البديهيات المنطقية، إذن فلابد للعقل أن يسير بهدى هذا المنطق، ولكن ليس هو المنطق القديم العقيم. وقد اتخذ رسل طريقة قويمة هي