(نيقولاي أليتش) رجل من أغنياء بطرسبرج يبلغ الثانية والثلاثين من العمر، وهو ممتلئ الجسم، قوي البنية، محمر الوجه. وكان قد اتخذ من زوجة المسيو (أرنين) خليلة له، فقضى معها شطراً من الزمن في غرام حار متبادل، ثم خمدت جذوة حبه، فصار يتردد على منزلها بين حين وحين، وبينهما نوع من الحب الفاتر. . .
وزارها في يوم من الأيام، فلم يجدها، وجلس ينتظرها في غرفة الاستقبال، فدخل ابنها الصغير وحياه وقال: إن أمه ستعود سريعاً، وهي الآن عند الخياطة مع أخته (صونيا). . .
وكان عمر هذا الطفل ثمانية أعوام، واسمه (أليوشا)، وهو حسن البزة، قوي البنية، عليه ثوب نظيف من القطيفة، وفي قدميه جورب أسود طويل؛ وكان يلعب ألعاباً رياضية، مستمتعاً بما وهبه الله من صحة جيدة. . . وبدأ الرجل يحدثه ليمضي الوقت ولكي يداعبه، فقال: هل أمك في صحة جيدة؟
فأقبل الطفل نحوه وقال:(أنها لم تكن قط في صحة جيدة، وهي كل يوم تشكو من مرض)، وأخذ الرجل يتأمل في وجه الطفل ليرى فيه محاسن أمه في صباها يوم كان حبهما لا يزال في سورته وسأله عما يتلقاه في المدرسة؛ فقال أنه وأخته صونيا يحفظان قطعة من الشعر الفرنسي. وقال الرجل للطفل:(هل حلقت شعرك اليوم؟) فقال: (نعم. وأنت حلقت أيضا، لأن لحيتك أصغر من العادة. أتأذن لي أن أمسكها؟)
قال الرجل:(لا لا! لن آذن بذلك) فقال الطفل: (لماذا؟ هل يؤلمك أن أنزع شعرة أو شعرتين؟) ثم أمسك السلسلة الذهبية المعلقة في صدر إبلتش وقال: (إن أمي قد وعدتني أن تشتري لي ساعة إذا انتقلت من فرقتي. إن هذه السلسلة كالتي في صدر أبي)
قال إيلتش:(ومن أخبرك بذلك؟ هل رأيت أباك؟) فتلعثم واضطرب وقال: (أنا. . . كلا!)
ولكن الرجل نظر إليه نظرة حادة وقال:(هل رأيت أباك؟) فقال: (كلا. . . كلا!)