وجدت صديقي ينتظرني - كما وعد - فدخلنا معاً وجلسنا متقابلين إلى مائدة صغيرة، وبدأنا بأيدينا ففركناها - فقد كان البرد شديداً، وكان كلانا قد خلع المعطف والطربوش، وكانت الحجرة دافئة ولكنه لم يكن قد مضى من الوقت ما يكفي لانتقال الدفء إلى أبداننا. ثم أكب صاحبي على البيان الذي فيه ألوان الطعام وجعل يسردها لي لأتخير ما يطيب لي منها. وفرغنا من ذلك بعد طول التردد وانصرف العامل بدفتره الذي دون فيه ما طلبنا. فقال صديقي وهو يميل على المائدة:
(والآن ما العمل؟)
قلت:(هذا هو السؤال الأبدي! وما أظن بنا إلا أننا سنظل نسأل عن ذلك طول العمر - طال أم قصر. . المسألة مسألة حظ يا صاحبي)
فقال:(كلا. . لابد أن هناك وسائل كثيرة لاكتساب المال بسرعة. . كثيرون يفعلون ذلك. . وهذا دليل على أن الوسائل موجودة ولكنا نحن - لسبب ما - لا نهتدي إليها)
قلت:(فليكن الأمر كما تصوره، فلست أرى أن هذا يجدينا شيئاً)
قال:(ولكن لابد أن تكون هناك وسيلة)
قلت:(إذا كان ينفعك أو يريحك الإيقان من ذلك فأيقن وأرح نفسك)
فقال وهو يهز رأسه:(نحن اثنان. . كلانا محتاج إلى مبلغ حسن من المال. . والحاجة ملحة، والسرعة لا مفر منها. . لا سبيل إلى الاقتراض لأن الذين يقرضون يطلبون ضماناً. . شيئاً يطمئنون به على مالهم. . سخافة؟!. ولماذا ينبغي أن نرد شيئا؟؟. ألسنا أحق بالمال من هؤلاء الذين لا يعرفون كيف ينفقونه ويروحون يكنزونه ويدفنونه في خزانات أوفي قدور يدسونها تحت الأرض. .؟؟)
فضحكت وقلت:(هذه بلشفية)
قال:(لا تصدق. . آه لو كنت غنيا!!. إذن لصارت الدنيا أرغد وأهنا. .)
قلت وأنا أبتسم:(ماذا كنت تصنع؟)
قال: (أصنع؟. أتسأل؟. . كنت أضع المال في صرر وأرمي بها لمن أتوسم فيهم أنهم أهل