أن تطرى في كلام، ولا أن تميل إلى هوى العامة، حتى أبوا كل الأدباء أن يتسع فيها مجال القصص، والقصص في الأدب الحديث فرع يكاد يختصر كل فروعه ويطغى على جميع نواحيه. وما زلت أذكر يوم أعلنا عن باب المسرح والسينما في الرسالة! فقد انثالت علينا رسائل الإشفاق والعتب تناشدنا الله أن نربأ بالصحف المهذبة الوقورة أن تنطوي على هذا (الهذر)! ولا يكاد العدد يخرج إلى الناس حتى تأتينا آراء القراء في التليفون أوفي البريد تستحسن ما ارتفع إلى المستوى الذي عهدوه، وتستهجن ما أنخفض عنه؛ وهذه الرقابة الغالية دليل على اشتراك الذوق ووحدة الهوى بين القارئ وبين المجلة. فنحن لذلك حريون أن نحرص كل الحرص على أن ندع للرسالة هذه الخطة، ونحفظ عليها تلك السمة
على أن هناك طائفة من ذوي الثقافة المتخطفة والذوق الملول، تعودوا أن يتناولوا كل شيء بالمس الرقيق؛ فهم يريدون أن يكون لكل عدد لون، ولكل مقالة خلاصة، ولكل خلاصة نكتة، ولكل نكتة صورة. وما دامت الصورة تمثل الفكرة، والعنوان يلخص الموضوع، فالاستغراق في التفاصيل بعد ذلك عناء وعبث!! هؤلاء هم الجناة على الأديب والأدب؛ يدفعون الباحث بسأمهم إلى توخي السهولة وإيثار الخفة، فيكون من ذلك هذا التفاعل الدوري بين سطحية القارئ وسطحية الكاتب. وإنا لنرجو أن تجد هذه الطائفة في (الرواية) مجازا إلى (الرسالة)؛ فإن المثل يقول: تطعَّم تطْعم، أو ذُق تشتهِ. ومن الخير أن تمهد للجد باللهو، وأن تجر إلى التثقيف بالتسلية. والرواية حلقات بين عامي ? الذوق ونبيله، ودرجات بين خفيف الأدب وثقيله؛ وخفتها من طرافة الموضوع لا من سخافة الفن، ووزانتها من براعة الأسلوب لا من وقار الفكرة. وبالرسالة والرواية نحاول مخلصين أن نرضي كل ذوق، ونساير كل طبقة، ونضع في بناء الأدب العربي الجديد لبنة
تحرشت بالرسالة في عامها المنصرم عوادٍ من الأسى والمرض، بعضها يقطع الوجهة على السالك البصير، ويدفع اليأس في صدر الواثق المؤمن. ولكن الله أبرُّ بالعمل الصالح أن يدعه فريسة الأحداث والغير. ومضيَّ الرسالة قدما في خطتها الرشيدة إلى غايتها البعيدة أربع سنين لا تتغير ولا تتعثر ولا تتخلف، يجرئنا على أن نجدد لقرائها العهد، ونؤكد لأصدقائها الوعد، ونحن أقوى ما يكون العاهد والواعد اطمئناناً للوفاء ووثوقاً بالمستقبل