(دمعة عل جثمان الصديق الراحل فليكس فارس المسجى بين
الورود ألقيت في الحفل الكنائسي الذي أقيم للصلاة على روحه
عصر الأحد ٢ يوليه ١٩٣٩ ببهو الكنيسة المارونية)
هناك من الناس من تعرفهم فتشعر كأن لك بهم معرفة من قبل. ذلك لأنهم لا يعرفون عن طريق الصلات الزمنية، وإنما هم يعرفون عن طريق الجو الذي يخلقونه حولهم. وما كان الصديق الراحل فليكس فارس إلا واحداً من هؤلاء: عرفته صيف عام ١٩٣٦ فسرعان ما تآلفنا وتآخينا. ولم يمض القليل من الزمن حتى أصبحنا آلفين لا ينقضي الأسبوع دون أن نتقابل فنتجاذب الحديث في شأن من شئون الحياة التي نحياها. وكثيراً ما كان يدور هذا الحديث على عوالم الفكر والشعور. وظلت صلتي بالراحل الكريم قوية حتى آخر لحظاته. فقد كنا حوله في الأيام الأخيرة وهو يجود بأنفاسه الأخيرة. لهذا كان نبأ نعيه لنا معشر أصحابه وخلانه صدمة أليمة. وكان قاسياً علينا أن نراه أمس حيّاً بيننا يملأ جونا بروحه حياة وأنساً، وإذا به اليوم قد همد فيه عنصر الحياة الذي كان يطوف على شفتيه ابتسامة وعلى شغاف قلبه حنواً وعطفاً. . .
إن هول فجيعتنا في فليكس فارس كبيرة، جعل الدموع تجمد في أعيننا فظللنا بسحابة قاتمة أرسلت سوداها على صفحات قلوبنا فغمرتنا موجة من الكآبة، فإذا لم تظهر على صفحات وجوهنا - نحن معشر خلانه - فداحة المصاب دموعاً. . . فذلك لأن مصيبتنا بموت الصديق أقوى من أن يظهرها بكاء أو دموع. . .
إيه أيها الرجل الكريم!. . . إن تلك الدموع التي جرت من عينيك وتجمعت في مآقيك ثم سالت على صفحات وجهك يوم زرتك للمرة الأخيرة؛ وإن كلماتك التي خرجت من أعماقك مختلطة بنشيجك توصيني خيراً بفلذات كبدك، كل هذه دخلت في عالم ذكرياتي ولن تذهب من نفسي، فلقد دلت كلماتك وعبراتك على أن في الحياة عنصراً أقوى من كل القيود