يسرنا أن نشهد في هذه الأيام شيئاً من الاهتمام بمسائل التعليم وإصلاحه فقد رأينا نقاشاً يتردد بين بعض رجال التعليم في الجرائد والصحف الأسبوعية ما يدل على هذا الاهتمام وعلى أن وزارة المعارف ترحب بالآراء الجديدة التي تتناول المشاكل التعليمية وتعمل لإنماء روح البحث والاجتهاد في هذا الموضوع الجليل الشأن. غير أني أرجو أنم يتحول البحث إلى المسائل التي في الصميم والتي تتغلغل في روح المدرسة وروح النهضة التعليمية التي تنشدها البلاد.
فالبحث الذي دار فيه النقاش والجدل أخيراً كان خاصاً بزيادة مرحلة وسطى بين مرحلتي التعليم العام. والتعليم العام سواء اشتمل على مرحلتين أو ثلاث مراحل هو في حاجة ماسة إلى إصلاح أهم وأعم لا يتناول مراحله فحسب، بل يتناول نظمه ويتناول روحه حتى نحصل منه على الثمار المرجوة. ولقد تناول صديقنا الأستاذ فريد أبو حددي إحدى مسائله الهامة في العدد ٣٣٣ من الثقافة. تناول مسألة المعالم فطالب وزارة المعارف إذا شاءت أن تعد البلاد للمستقبل الذي تنشده أمم العالم جميعاً أن تتجه اتجاهاً جدياً إلى المعلم، وطالب الدولة كلها بأن تعين وزارة المعارف على ذلك وأن تحلها من كل قيد وأن تبذل لها من عنايتها ما يمكنها من أن تجعل المعلم روحاً يبعث الحركة في ناشئة البلاد. وهذا مطلب لا نشك في أهميته ولا في عدالته ولا في ضرورته للنهضة التعليمية. ولقد سبق أن طالبنا الأمة به في مواقف كثيرة، وسبق أن أوضحنا ما للمعلم من اثر فعال في تكوين أبنائه وفي بناء نهضة هذه البلاد، وأنه هو العامل الحي الذي يبث في النشء ويبصرهم بأمور الدنيا ويفتح عيونهم على ما يجري حولهم في الحياة. وهو القدوة الحية أمامهم يحاكونه في أعمالهم ويتخذونه مثلا أعلى لهم ويقلدونه في حركاتهم وسكناتهم ويلجأون إليه في معضلاتهم. وإذا كنا نشكو اليوم ما في المدرسة من جمود وخمود وما في تلاميذها من استهتار وقلة تبصر وعدم اهتمام بمسائل الحياة وعدم إقدام خريجيها على العمل الحر المنتج فإنما يرجع الكثير من ذلك إلى خمود العلم وجموده، وإلى سيره في حياته التعليمية